دليل بقاء المترجمين في القرن الحادي والعشرين

ترجمة: نورة القبيلي

تدقيق: رحمة عبدالرحيم

مدة القراءة: 5 دقائق

قيل لي منذ ما يقارب العشرين عاماً الماضية أنه سيتم استبدال المترجمين، بما فيهم أنا، بالترجمة الآلية خلال عشر سنوات وذلك لصعوبة التمييز بينها وبين الترجمة البشرية. فالترجمة الآلية باتت وشيكة الحدوث. وقيل لي منذ عشر سنوات، أن عملية تحرير الترجمة الآلية هي الاتجاه السائد في مجال الترجمة؛ وستكون هذه  العملية حتمية مستقبلاً شئت أم أبيت، وبأنها أيضاً مستقبل كل مترجم. كما وقد قيل لي طوال هذه السنوات التي ترجمت خلالها، أن ما يهم مستخدمي الترجمة هو السعر وليس الجودة.

جميع هذه العبارات صحيحة، وفي نفس الوقت هي مبالغة في تبسيط الترجمة ومجرد أكاذيب! بحسب ما نعنيه بمثل هذه المصطلحات من "التكلفة" و "الجودة" و الترجمة البشرية" و "صناعة الترجمة".  

وذلك صحيح، فعلى سبيل المثال؛ تنتج ترجمة (Google Translate)  ترجمة ذات جودة جيدة جداً أحياناً وكأنها ترجمة بشرية عالية الجودة. ولكن يعود سبب ذلك إلى أن ترجمة (Google Translate) البسيطة لا تتبع الأساليب التقليدية للترجمة الآلية؛ بل تتم الترجمة من خلال اختيار ترجمة بشرية موجودة بالفعل من قاعدة بيانات ضخمة جداً للترجمة البشرية. ولكن بالرغم من ذلك تعد هذه الترجمة محدودة النطاق. وبالمناسبة، هناك حقيقة معروفة وهي أنها لا تعمل بشكل جيد في الترجمة بين لغاتٍ مثل اليابانية والإنجليزية، أو التشيكية والإنجليزية، بينما تعمل جيداً في الترجمة بين اللغات الأوروبية الشائعة.

 وأعتقد أن التقدم الثوري الأخير للترجمة الآلية سيكون السبب في تدمير مهن المترجمين، فقد بات وشيكاً ولمدة لا تقل عن 20 أو 30 سنة المقبلة، هذا وإن لم يكن خلال القرنين أو الثلاثة قرون القادمة.

من الصعب علي أن أتصور مصيراً أسوأ من مصير التدقيق للترجمة الآلية، يا لها من نهايةٍ مريعة. وبما أن الترجمة تتعلق بالتفكير غالباً، فإني أرى أن بعض قطاعات صناعة الترجمة تعتمد على هذا الأسلوب بالفعل أكثر من الأسلوب البسيط للتفكير البشري، وإن لم تفعل فسوف تفعل قريباً. ولكنه سيصبح جزءاً صغيراً نسبياً في صناعة الترجمة، وإنني أُشفق على أولئك الذين عليهم إشراك أنفسهم في هذا العمل المجهد للعقل ليستطيعوا دفع الفواتير وإطعام أسرهم.

إن التكنولوجيا تتحرك بطرق غامضة، مثل الإله.*

وبعد الكشف عن إدوارد سنودن، الذي اتهمته الحكومة الأمريكية (وياللطرافة والغرابة) بأنه جاسوس لأنه كشف أن الحكومة الأمريكية تتجسس علينا جميعاً وبشكل غير قانوني تماماً ( يمكنني أن أقرأ وقد قرأت في دستور الولايات المتحدة الأمريكية). من المرجح أن تبدأ التقنية في التحرك مرة أخرى بطرق مختلفة وغير مباشرة. على سبيل المثال، قمت باستبدال محرك البحث Google بمحركين أخرين وهما DuckDuckGo و Ixquick بسبب ما قاله، بالرغم من تأكيده لشكه الدائم. ومن المرجح أن يفعل عشرات الملايين من الناس الشيء ذاته، لذا سيتعين على محرك البحث Google وغيره من المحركات تقديم خيارات أخرى للمستخدمين المتحفظين على خصوصياتهم وإلا لن يتم استخدامه.

إن البشر ليسوا عاجزين عن تصدي براعة الآلات الشريرة التي بين أيادي القساة، ولن تحل الترجمة الآلية محل المترجمين البشر بشكل كامل... ربما باستثناء بعض مجالات الترجمة. 

عادةً ما أرى على لوحة التحكم الخاصة بي، أن ترجمة المدونة تتم بواسطة الترجمة الآلية، بالرغم من أن عدداً من منشوراتي قد تُرجمت أيضاً إلى لغات أخرى (الاسبانية والروسية والصينية والعربية) بواسطة المترجمين البشر. ومن الواضح أن الترجمة الآلية ستصبح أحد مجالات الترجمة وحينها ستسيطر الترجمة المجانية على السوق.

ومن المحتمل جداً أن تأخذ الترجمة الآلية المجانية الكثير من العمل الملقى على عاتق بعض أولئك المترجمين الذين يعملون بمقابل مادي. ولا أعلم في أي مجال سيحدث ذلك، ولكني أتصور أن تلك المجالات ليست صعبة ومهمة للغاية.

لن تحدث الترجمة الآلية في مجال ترجمة براءات الاختراع، وهو مجال تخصصي. بل تحدث كثيراً ويمكنك كسب الكثير من المال من خلالها أو خسارته وذلك بناءً على جودة ترجمتك وايصالك للمعنى المطلوب في مجال ترجمة براءات الاختراع. صحيح أن بعض الترجمات في مجال اختصاصي لم تعد ضرورية لأن الترجمات الآلية -على سبيل المثال لبراءات الاختراع الألمانية أو الفرنسية إلى الإنجليزية- جيدة بما يكفي في هذه المرحلة لتكون قابلة للاستخدام لأغراض معينة. ولكن في الوقت نفسه، يتم طلب المزيد من الترجمات بفضل ما يمكن عملائي اكتشافه من خلال الترجمة الآلية.

لقد لاحظت خلال السنوات الأخيرة أن طلب الترجمة لبراءات الاختراع اليابانية إلى اللغة الإنجليزية قد تناقص لحد كبير، بينما طلبات الترجمة لبراءات الاختراع الألمانية والفرنسية إلى اللغة الإنجليزية قد تزايدت بشكل هائل، خصوصاً في مكتبي المريح الخاص بالترجمة. تعتبر الترجمة الآلية لبراءات الاختراع اليابانية عديمة الفائدة كلياً إن لم تعرف قراءة النص الأصلي لليابانية، في حين أن الترجمة الآلية لبراءات الاختراع الألمانية والفرنسية ليست بهذا السوء. لذا، فلو كانت الترجمة الآلية عدوي، لكان ينبغي أن أرى العكس.

وأعتقد أن تفاوت الطلب على الترجمة التقنية من لغات معينة لا يؤثر حقاً في الترجمة الآلية، بل يتعلق الأمر كله بالتقنية التي يجري تطويرها في لحظةٍ ما وفي بلدٍ ما؛ حيث أقوم بترجمة عدد قليل من براءات الاختراع اليابانية لتراجع التقنية اليابانية ولعل ذلك يتغير في وقت ما، وآمل ذلك.

ربما تتساءل، كيف يمكن للمترجم البشري من البقاء في القرن الحادي والعشرين رغم الكثير من التهديدات التي تلوح في الأفق؟

ألقِ نظرة على النصوص التي تقوم بترجمتها إن كانت بسيطة للغاية ويسهل ترجمتها جداً حتى وإن تمت بالترجمة الآلية، هل سيفهم العميل معظمها؟

إذا كانت الإجابة هي نعم، فمن المحتمل أن وظيفتك لن تدوم طويلاً وسوف تلتهمها الترجمة الآلية بالتأكيد، أو ستكون مجرد مستعبد لتدقيق الترجمة الآلية.

أما إذا كانت الإجابة هي لا، فلن أقلق كثيراً بشأن قدرتك على البقاء اعتماداً على مهاراتك وحدها في هذا القرن، وبدلاً من ذلك، سأركز على تسويق خدماتي للعملاء المباشرين، و أكون أكثر إلماماً بما يحدث حولي و أستمتع بالحياة أيضاً. 

 

* شبه الكاتب التكنولوجيا بالإله تشبيهاً ضمنياً؛ فأشار إلى أن التكنولوجيا تتطور بغرابة وغموض.

 

الكاتب:

Patenttranslator

المصدر:

https://patenttranslator.wordpress.com/2013/06/23/human-translators-survival-guide-to-the-21st-century/

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 1 )
01 مايو

ابراهيم

  • الساعة : 15:25 PM
  • 01 مايو
احيانا الابداع فى الترجمه يقّيمه المستفيد اما لحظه بلحظه او بسبب التقارب اللاملموس والغير مترابط بفقد تسلسل الافكار ... هنا الماده قيمه والترجمه رائعه جداً