هل تشعر بالقلق؟ قد تؤثر طريقة تنفسك على ذلك
ترجمة: ريم الجربوع
تدقيق: فادية محيسن
مدة القراءة: ٨ دقائق
عند تصفحك مواقع التواصل الاجتماعي، وسط منشورات سياسية وحالات فيروس كورونا، ربما صادفت صديقًا أو اثنين يذكران الجميع بـ "أخذ نفس".
ولكن هل للتنفس أن يحدث فرقًا؟
في كتابه الجديد "التنفس" العلم الجديد للفن المفقود يعتقد الصحفي جيمس نيستور: بأن البشر المعاصرين أصبحوا سيئين للغاية في هذا العمل الأساسي من الحياة. نحن نتنفس من خلال أفواهنا وصدورنا،ونفعل ذلك بطريقة سريعة جداً. حتى أن هناك ظاهرة تسمى "انقطاع النفس"، حيث يتنفس العاملون في المكاتب المتعددة المهام بشكل غير منتظم وضعيف- أو حتى يحبسوا أنفاسهم - لمدة نصف دقيقة أو أكثر أثناء انشغالهم بأجهزتهم.
بالإضافة إلى كل المشاكل الصحية المقلقة التي قد يسببها هذا الأمر، والتي ذكرها نيستور في كتابه، فإن التنفس بطريقة خاطئة قد يكون له عواقب كبيرة مثل أن يساهم في قلقنا ومشاكل صحية عقلية أخرى.
تقول إليسا إيبيل، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: "إن معدل وعمق تنفسنا عامل محدد كبير لحالتنا العقلية".
يستكشف باحثون مثل إيبيل عن كيفية استخدام تقنيات التنفس -الجديدة والقديمة- التي يمكنها مساعدة الناس على تجنب القلق. وما توصلوا إليه هو أن التنفس يمكن أن يكون مفتاحًا مهملاً لإيجاد المزيد من الهدوء والسلام.
كيف يمكن للتنفس أن يهدئنا؟
غالبًا ما نحاول تخفيف القلق من خلال تغيير أفكارنا، مثل التفكير بأسوأ السيناريوهات أو مقاطعة الاجترار بإلهاء أنفسنا أو الذهاب إلى العلاج. لكن التنفس يقدم أسلوباً مختلفاً، يتخطى أمور العقل المعقدة ويستهدف الجسد مباشرة. بدلًا من محاولة التفكير في نفسك بعيداً عن الشعور بالقلق، يمكنك أن تفعل شيئاً ملموساً، تنفس ببطء أو بسرعة، بإيقاع معين، أو من خلال فتحة أنف واحدة، وأحيانًا تجد راحة فورية.
في دراسة أجريت عام 2017، تم تكليف الأشخاص الذين يعانون من القلق الشديد بأخذ دورة في التنفس الحجابي الاسترخائي وكانوا يمارسون مرتين يوميًا في المنزل. يستلزم التنفس الحجابي أو التنفس البطني أخذ نفس عميق للبطن بدلا من أخذ نفس ضعيف للصدر. بعد ثمانية أسابيع، أبلغوا عن شعورهم بقلق أقل مقارنة بالمجموعة التي لم تتلق التدريب. كما أظهروا علامات جسدية على انخفاض القلق، بما في ذلك انخفاض معدل ضربات القلب، وبطء التنفس، وانخفاض تعرق الجلد.
لذلك، ممارسة التنفس المنتظم قد تساعدك على الشعور بالهدوء في حياتك اليومية. لكن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن التركيز على تنفسك في لحظات القلق الشديد قد يكون مفيدًا أيضًا.
وفي دراسة قديمة نُشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، أحضر الباحثون المشاركين إلى المختبر وأخبروهم أنهم سيتلقون صدمات كهربائية. مارس بعض المشاركين التنفس ببطء قبل تلقيهم الصدمات، (التي لم تحدث قط في الواقع). في حين ركز آخرون على التنفس بمعدل طبيعي أو لم ينظموا تنفسهم على الإطلاق. المشاركين الذين تنفسوا ببطء - حوالي ثمانية أنفاس في الدقيقة، لم يبلغوا فقط عن شعورهم بقدر أقل من القلق أثناء توقعهم للألم، بل أظهروا أيضا قلقاً أقل على المستوى الجسدي، تم قياسه بالتعرق وتدفق الدم إلى الأصابع.
تابعت دراسة أخرى هذا البحث واختبرت ثلاث إيقاعات تنفس مختلفة: الشهيق السريع والزفير البطيء، أو استنشاق بطيء مع زفير سريع، أو الاستنشاق والزفير بوتيرة متساوية. وهنا كان الاستنشاق السريع مع الزفير البطيء (ثانيتين شهيق وثمانية زفير) هو الأكثر فعالية في تخفيف كل من القلق الجسدي والذهني.
بالطبع، يُعد التنفس عنصرًا أساسيا في العديد من ممارسات التأمل والعقلية البوذية ، وقد يكون ذلك سبباً رئسياً في نجاحها. في دراسة صغيرة أجريت عام 2017، طلب الباحثون من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق تجربة إما التنفس الأنفي البديل أو التنفس الواعي لمدة 10 دقائق، يومين على التوالي. ووجدوا أن ممارسة التنفس الأنفي البديل كان أكثر فعالية بثلاث مرات في تقليل مشاعر القلق لدى الناس.
وكانت هذه الفوائد عميقة بالنسبة للمشاركين في فصل صغير تنفس اليوغا لمدة اثني عشر أسبوعًا في المملكة المتحدة. وفقًا لباحثين من جامعة ساوثهامبتون:
وصف المشاركون الشعور "أكثر سيطرة"، مشيرين إلى أن "القلق لا يُشعر بالوهن بعد الآن". أبلغ أحد المشاركين عن زيادة ملحوظة في الثقة والوعي والروحانية، وقدرة أكبر على الاسترخاء. وعاد ثلاثة مشاركين إلى عمل مدفوع الأجر، وتمكن آخر من الحصول على وظيفة طال انتظارها، وأصبح آخر يفكر في العودة إلى العمل بعد أن عجز عن ذلك لسنوات عديدة.
التأثيرات المتموجة للتنفس
الطريقة التي نتنفس بها يمكن أن تطلق سلسلة من التغيرات الجسدية في الجسد التي تعزز إما الإجهاد أو الاسترخاء.
تقول إيبيل: "إذا كنا نتنفس بشكل ضعيف وسريع، فإن ذلك يتسبب في خلل في نظامنا العصبي و نشعر بالتوتر والقلق. وإذا تنفسنا ببطء، فهذا في الواقع يؤدي إلى استجابة مضادة للتوتر."
من الناحية الفنية، يؤثر التنفس على المتعاطفين (القتال أو الهروب) الجهاز السمبثاوي ("الراحة والهضم") لجهازنا العصبي، كما أن بعض التقنيات يمكن أن تعزز مزيداً من الهدوء والاسترخاء اللاودي. قد يتسبب بعضها الاخر أيضًا في إفراز هرمونات مثل البرولاكتين وربما الأوكسيتوسين، هرمون الحب والارتباط.
يقول نيستور: "تقنيات التنفس" تسمح لك بالسيطرة بوعي بتنفسك حتى تتمكن من التحكم في جهازك العصبي والذي بدوره يساعدك على السيطرة على قلقك. وعندما نتنفس بطريقة معينة، فإننا نرسل رسائل إلى تلك المراكز العاطفية في دماغنا لتهدأ."
تقنيات أخرى مثل تومو Tummo - تمرين التنفس باليوغا الذي يتضمن التنفس القوي أو اللطيف، و تقلصات البطن أثناء حبس النفس، والتخيل- في الواقع تعمل على تعزيز الجهاز العصبي الودي، مما يؤدي إلى زيادة ضغط الجسد لتنشيط الاسترخاء العميق بعد ذلك، على غرار كيفية توتر العضلات وارتخائها.
هذا مشابه لنوع التنفس الذي يعلمه "رجل الثلج" ويم هوف لأتباعه، وهي طريقة تبحث بها إيبيل حاليًا. يشتهر هوف ببراعته التي تبدو خارقة للإنسان، مثل تسلق جبل كليمنجارو مرتديا سروالا قصيرا وتغيير استجابته المناعية إلى الإشريكية القولونية، والتي يعزوها بالتحكم في وظائف أعضائه بفضل ممارسات التنفس وأكثر.
التنفس السريع يمكن أن يكون محفزًا للأشخاص الذين يعانون من القلق مما يتسبب في وخز الأطراف والدوار الذي غالبًا ما يصاحب نوبات الهلع - ولكن هنا تكمن الفكرة. عندما تتنفس بسرعة وتبدأ في الشعور بالأعراض التي ترتبط بها عادةً بالقلق، قد يساعدك على إعادة تفسير هذه الأعراض بطريقة أقل تهديدًا. تصبح هذه الأعراض أقل قلقا لأن هناك سببًا واضحًا، مثلما لا يزعجنا ارتفاع معدل ضربات القلب أثناء التمارين الرياضية. وإذا كان بإمكانك ربط القلق بعادات التنفس الخاطئة، فهذا يعني أنه يمكنك تغيير طريقة تنفسك وربما ترى بعض التحسن.
كيف تتنفس بشكل أفضل؟
إذا كنت تريد ممارسة التنفس لتحسين الصحة العقلية والجسدية، هنالك تقنيات لا تعد ولا تحصى يمكنك تجربتها. على الرغم من أنه لا ينبغي اعتبار هذه العلاجات بديلاُ للعلاج أو علاجاً للقلق الشديد، إلا أنها يمكن أن تكون أداة مجانية بسيطة لراحة قصيرة الأجل والفائدة طويلة الأمد. كتب رافيندر جيرات وزملاؤه في دراسة أجريت عام 2015: "يمكن استخدام تقنيات التنفس كعلاجات أولية وتكميلية للتوتر والقلق".
العديد من التقنيات التي تم بحثها رسمياً مسبقا مستمدة من براناياما (التنفس اليوغي) نوع من تنفس اليوغا والذي يعود تاريخه إلى الهند القديمة:
- أوجي (Ujjayi): التنفس العميق مع تضيق الحلق مما يخلق صوتًا شبيهًا بالبحر وغالبًا ما يوصى به أثناء ممارسة اليوغا.
- باستركا (Bhastrika): وما يسمى بتنفس المنفاخ وهو الشهيق والزفير بقوة.
- نادي سودهان وأنولوم فيلوم: أنواع التنفس البديل من الأنف، حيث يتم استنشاق الهواء من إحدى فتحتي الأنف وزفيره من الأخرى ومع حبس النفس أحيانًا.
هناك أيضًا مجموعة متنوعة من ممارسات "تنفس الصندوق" والمشتق من براناياما ساما فيرتي، حيث تستنشق لمدة أربع ثوان، وتحبسه لمدة أربعة، ثم تزفر لأربعة، وتحبس لأربع، وتكرر. وتشمل الأساليب الأخرى المحددة التوقيت تنفس 4-7-8 ثواني وهو أن تستنشق لمدة أربع ثواني وتحبس لسبع وثماني للزفير، وغالبًا ما يوصى بها لمساعدتك على النوم.
بنفس الطريقة التي تمرن بها العقل ليس مجرد تأمل، فإن التنفس كممارسة لا يقتصر فقط على الاستيقاظ كل صباح والقيام ممارسة تنفس الصندوق لمدة 10 دقائق. من المهم أيضًا أن تكون على دراية بالطريقة التي تتنفس بها في الحياة اليومية (أو عند تفقد البريد الإلكتروني).
تتلخص نصائح نيستور للتنفس في قائمة قصيرة من المبادئ العامة، بما في ذلك التأكد من أن تتنفس من أنفك وليس من فمك، وإبطاء تنفسك (شهيق لخمس أو ست ثوانٍ وزفير لخمس أو ست ثوانٍ) وتزيد من استرخائك اطل بالزفير.
الآن الكثير من الحديث عن التنفس قد يجعلك تشعر بالقلق -- هكذا شعرت ، على الأقل ، بينما أقرأ عن كل الطرق التي تكون فيها عاداتنا في التنفس خاطئة. وفي إحدى الدراسات ، لاحظ الباحثون أن الناس القلقين كانوا متشككين في بداية التجربة و واجهوا بعض الصعوبات في الممارسة. ولكن هذه المجموعة استمرت بالشعور بالتحسن في نهاية 12 أسبوعا من الممارسة.
ويوضح كل هذا البحث مدى تأثير أجسادنا على أذهاننا. الحياة الحديثة مليئة بأمور كثيرة مقلقة ، ولكن كما كتب نيستور، تظل عدم مقدرتنا على التنفس الصحيح أحد أعمق مخاوفنا وأكثرها بدائية. إذا كانت الطريقة التي نتنفس بها ترسل إشارات الى أدمغتنا بوجود خطأ ما، فلا عجب أننا نشعر بالقلق- ولا عجب أن كل أساليب التنفس هذه يمكنها أن تجلب هذا الشفاء العميق.
المصدر:
https://ideas.ted.com/feeling-anxious-the-way-you-breathe-could-be-adding-to-it/