ما هو السن المثالي للتقاعد وفقًا لما يقوله علماء الأعصاب
ترجمة: مريم العامر
تدقيق: فرح العواد
مدة القراءة: ٧ دقائق
إذا كنت تريد أن تعيش حياة طويلة بقناعة، فعالم الأعصاب دانيال ليفيتين لديه بعض النصائح لك: إبق مشغولًا!
فما هو السن المناسب للتقاعد؟
في الحقيقة لا وجود له. فمن الأفضل أن تستمر في عملك سواء كان تطوع أو وظيفة حتى إذا كنت مصاب بإعاقة جسدية. لامونت دوزير وهو كاتب غنائي له العديد من الأغاني المشهورة مثل: “Heat Wave”، “Stop! In the Name of Love” ، “Reach Out, I’ll Be There” (وحصل على المركز الأول بأربعة عشر أغنية في ترتيب الأغاني الأسبوعي في مجلة بيلبورد)، ويبلغ من العمر 78 عامًا ولا يزال يمارس الكتابة يقول: "أستيقظ كل صباح وأكتب لمدة ساعة أو ساعتين، بعد توفيق الله هذا السبب لما وصلت إليه اليوم"
إن إهدار أوقات حياتك بلا هدف مرتبط بالتعاسة. ابق مشغولًا! ولكن لا تنشغل بالعمل المرهق أو المساعي التافهة بل بالأنشطة الهادفة.
تقول نيكول مايستاس - الخبيرة الاقتصادية بجامعة هارفارد: "استمع إلى شعارات محددة مثل: إدراك الهدف، إستعمال العقل، بالإضافة إلى المشاركة الاجتماعية".
تذكر كلمات العالم سيغموند فرويد حين قال "إن أهم أمرين في الحياة هما الحب والعمل الهادف".
أجريت عدد من المقابلات مع أشخاص تتراوح أعمارهم بين السبعين والمئة عام من أجل فهم ما الذي يساهم في زيادة الرضا عن الحياة. كان كل واحد منهم لا يزال مستمرًا في عمله. بعضهم، مثل الموسيقيين دونالد فاجن - مؤسس فرقة Steely Dan يبلغ من العمر (71 عامًا)، وجودي كولينز التي تبلغ من العمر (80 عامًا) زاد عبء العمل الملقى عليهم. و قام آخرون مثل: جورج شولتز (99 عامًا)، و تينزن غياتسو الدالاي لاما (84 عامًا) بتعديل جدول أعمالهم ليتناسب مع عمرهم، لكنهم حتى في يوم عملهم الجزئي ينجزون أعمالهم بشكل أفضل من نظرائهم الشباب.
يتطلب الإنشغال بالأنشطة الهادفة بعض الاستراتيجيات وإعادة ترتيب الأولويات. فالكاتبة باربرا إرينريك (78 عامًا) ترفض العديد من الفحوصات التي يطلبها طبيبها لأنها لاتريد إضاعة الوقت في عيادات طبية من أجل زيادة ثلاثة أسابيع لحياتها فقط. لماذا كل هذا الأمر؟
"لأن لدي أمور أخرى يجب أن أفعلها. يبدو أن الأمر بدأ بالنسبة لي مبدئيًا كنوع من المفاضلة: هل أريد الذهاب إلى عيادة الطبيب والانتظار في غرفة بلا نوافذ أو أن ألتزم بالموعد النهائي أو أذهب للمشي؟ دائمًا ما يقع اختياري على الأخير.
سيسمح العديد من أصحاب العمل بتعديل جداول الموظفين الأكبر سنًّا من أجل إستمرارهم بالعمل. في الولايات المتحدة الأمريكية يُطلب من أصحاب العمل تقديم وسائل راحة معقولة مثل: أوقات البدء بالعمل وانتهائه، وغرف الاستراحة، وتوفير سرير نقال لأخذ قيلولة، والتمييز العمري غير قانوني.
إن التمييز العمري غير قانوني في كندا والمكسيك وفنلندا، فالقوانين مختلفة في جميع أنحاء العالم. الاتحاد الأوروبي يسمح بإنهاء الخدمات في سن التقاعد (على سبيل المثال ألمانيا، كان سن التقاعد لديها 65 عامًا وتم تمديده إلى 67 عامًا). في كوريا الجنوبية، السن الإلزامي للتقاعد هو الستون عام.
في الدول الأخرى مثل: أستراليا، تتطور القوانين وتفسيراتها. (على سبيل المثال، قضت المحاكم في أستراليا الحكم لصالح شركة كانتاس للخطوط الجوية التي أنهت خدمات طيار بعمر الستين على الرغم من أن هذا القرار ينتهك قانون التمييز العمري في عام 2004م، إلا أن المحكمة حكمت بذلك وفقًا لشروط إتفاقية الطيران المدني الدولي والتي تمنع قيادة الطائرة لمن بلغ الستون عامًا من الطيران في خطوط جوية معينة؛ لذلك كان إنهاء خدمات الطيار قانوني).
أعتقد أننا بحاجة إلى العمل معًا لتغيير نظرة مجتمعاتنا اتجاه كبار السن خاصةً فيما يتعلق بسوق العمل. تميل الثقافة التنظيمية للشركات في الولايات المتحدة الأمريكية للتمييز العمري؛ فيصعب على كبار السن الحصول على وظيفة أو ترقية، وأقر بذلك كل العمال الأمريكيين. يجب على أصحاب العمل أن يدركوا أن توفير فرص العمل لكبار السن تجارة مربحة وليست عمل خيري. تميل الفرق متعددة الأجيال والتي تضم كبار السن إلى أن تكون أكثر إنتاجية؛ إذ يعزز كبار السن من إنتاجية من حولهم، وتتفوق هذه الفرق على الفرق التي يكون أعضائها من الجيل نفسه. بنك دويتشه أو البنك الألماني هو من الأوائل الذين اتبعوا هذا النهج، وقالوا بأن الأخطاء أصبحت أقل من السابق، وكثرت ردود الفعل الإيجابية من قبل المسنين والشباب على حد سواء.
أصدرت العديد من البلدان قوانين تحضر التمييز في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك مرض الزهايمر (على سبيل المثال: في الولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة لعام 1990م، وفي المملكة المتحدة قانون المساواة لعام 2010م).
تسرد مؤسسة برايت فوكس BrightFocus)) الغير ربحية تسهيلات قد تكون مفيدة للعمال المصابين بمرض الزهايمر:
• إدراج رسائل تذكيرية في يومهم – مكتوبة أو شفهية.
• تقسيم المهام الكبيرة إلى عدة مهام صغيرة.
• توفير تدريب إضافي عند حدوث أي تغييرات في العمل.
• الحفاظ على مساحة عمل خالية من الفوضى.
• تقليل ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية.
• تغيير وقت العمل اليومي.
وإعترافًا بذلك، أصبح مطار هيثرو في لندن أول مطار "صديق لمرضى الخرف " في العالم، حيث يعمل فيه ألف موظف لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من خلل إدراكي. ابتكر باحثون بجامعة جون كارول - وهي جامعة كاثوليكية خاصة تقع في مرتفعات الجامعة بولاية أوهايو الأمريكية - جوقة موسيقية متعددة الأجيال، تجمع بين الشباب وكبار السن المصابين بالخرف و ذلك غيّر من سلوك الطلاب المشاركين والذين تحدثوا عن الألفة التي شعرو بها أثناء مشاركتهم في الجوقة وتنمية الصداقة بين الأجيال من خلال مشاركتهم بالغناء، حيث شعر البالغون المصابون بالخرف بالإنتماء والتقدير والإحترام.
تم تشخيص الراحلة بات ساميت - مدربة فريق تينيسي النسائي لكرة السلة، والحائزة أيضًا على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1976م - بمرض الزهايمر في أغسطس عام 2011م. واصلت عملها وأنهت الموسم الرياضي حتى عام 2012م. قالت: "لن يكون هناك أي نظرة شفقة علي، و سأحرص على ذلك".
إذا كانت مواصلة العمل في وظيفتك غير ممكن بعد سن معين، وإذا كان أصحاب العمل غير مستعدين لتوظيف عمال أكبر سنًا، فلا يزال هناك طرق لإشغال نفسك بأعمال هادفة. في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك برنامج Head Start وهي منظمة سمحت لجدتي بالدخول والقراءة للأطفال الفقراء. هناك برنامج في مؤسسة AARP باسم Experience Corps الذي يؤهل كبار السن ليكونوا معلمين خصوصيين للأطفال ذوي الدخل المنخفض في المدارس الحكومية.
كان للبرنامج تأثير إيجابي على الأطفال بالطرق التي تتخيلها: تحسن في القراءة والكتابة وارتفاع درجات الاختبارات وتحسن المستوى خلال الفصل الدراسي والسلوك الاجتماعي، وشمل هذا التأثير الإيجابي المتطوعين أيضًا. في أحد الدراسات، شعر المتطوعون بالإنجاز أكثر من المشاركين بالمجموعة، وأظهر ذلك زيادة في حجم الدماغ للحصين والقشرة للمستفيدين مقارنة بالمتطوعين الذين عانوا من تقلص حجم الدماغ . كذلك لاحظت أناييز نين "أن الحياة تتقلص وتتوسع على قدر شجاعة المرء". وهذا ينطبق على حجم الدماغ أيضًا.
ممكن أن تتحقق تلك الشجاعة أو ذلك الإتساق في الحياة بطرق مختلفة لأشخاص مختلفين مثل : حضور دروس إلكترونية، كالدروس التي يقدمها موقع Coursera أو Khan Academy (لكن تأكد من أنك تستطيع التفاعل لتناقش ما تعلمته، فالتعلم في عزله لا يشمل تنشيط دماغك فقط بل والتفاعل والنقاش)، أو الإنضمام إلى (أو إستضافة) نادي كتاب أو مجموعة لمناقشة الأحداث الحالية، أو التطوع في المستشفى أو مساعدة المتعبدين في أعمال الخير أو العمل في مطعم للفقراء.
هناك تأثير تحولي في مساعدة الآخرين. كتب الكاتب الجنوب أفريقي الحائز على جائزة نوبل ج. م. كوتزي في روايته العار: “يواصل التدريس لأنَّه… يُعلمه التواضع، ويُريه من هو في العالم". السخرية لا تفارقه: إن الذي يأتي ليدرّس يتعلم أكثر الدروس حماسة، بينما المتعلم لا يتعلم شيئًا.
لاحظت ذلك بشكل مباشر في حياتي، على الرغم من أنني لا أحب الإعتقاد بأن طلابي تجنبوا تعلم أي شيء، ولست ساخرًا، مثل كوتزي (أو على الأقل شخصيته في الرواية). أعتقد بأن المعلم المناسب والمؤمن الحق بطفل أو كبير بالسن يستطيع قلب توازن الحياة لذلك الشخص، ومساعدته في التغلب على العقبات، ووضعه على مسار السعادة والنجاح الذي يقوده إلى شيخوخة ناجحة. وهذا ما فعله معلمي معي.
مقتبس بإذن من الكتاب الجديد الشيخوخة الناجحة: للعالم دانيال ليفيتين -عالم أعصاب يستكشف قوة وإمكانات حياتنا.
المصدر:
https://ideas.ted.com/what-is-the-ideal-age-to-retire-never-according-to-a-neuroscientist/