كيف نربي أطفال أذكياء عاطفيًا

ترجمة: المها علي الاحمري

تدقيق: فرح العواد

مدة القراءة: ٧ دقائق

هذا المنشور جزء من سلسلة " كيف تكون إنسانًا أفضل" الخاصة بـ TED  والتي تحتوي على نصائح مفيدة من مجتمع TED.

أود منك أن تأخذ دقيقة وتتخيل أنك تبلغ من العمر أربع سنوات، تبني برجًا وفخور به حقًا، ولكن في الدقيقة التالية يأتي طفل آخر يركض ويركل برجك. أنت الآن غاضب، وتشعر أن كل هذه المشاعر تنبثق من الداخل بخيبة أمل وغيظ وإحباطًا، وعجزًا. بعد ذلك، يأتي أشخاص بالغون، يقتربون، وينزلون إلى مستواك، ويسألون: "عزيزي، ماذا حدث؟" تجد في داخل أعينهم التعاطف وتشعر أن داخلهم هادئ ومنظم، ومن ثم تخرج كل المشاعر منك الإحباط، الغضب، العجز.

فيقول هذا الراشد: "أخبرني بكل شيء عنه". إنهم لا يحاولون إصلاحه، ولا يقولون لك: "لا تقلق، يمكنك بناء واحد آخر." إنهم فقط يجعلونك تشعر بكل ما تشعر به.

ثم يفتحون أذرعهم وتحتضنهم، وتأخذ نفسًا عميقًا آخر، وتشعر بالتحسن والعودة إلى بناء برجك. إذا كنت محظوظًا، فقد منحك الكبار في حياتك مساحة كبيرة للتعبير عن شعورك دون محاولة إصلاح ما يحدث.

الآن أود منك أن تحاول تذكر أنك كنت في الرابعة من عمرك والوقت الذي شعرت فيه بالغضب أو الحزن أو الخوف أو أنك لم تفهم ما كان يحدث. كيف كان تجاوب الكبار معك ؟ إذا كنت محظوظًا، فقد أعطوك مساحة كبيرة للتعبير عن شعورك والاستماع إلى مخاوفك وجرحك دون محاولة إصلاح ما كان يحدث.

لكن ربما كان لدى الكثير منا تجربة معاكسة، ربما قيل لنا "توقف عن كونك غبيًا جدًا" أو "لا داعي للبكاء". ربما تم إرسالك إلى غرفتك أو إلى الزاوية أو حتى تعرضت للضرب لارتكاب خطأ ما.

 

ما زلنا نقدّر معدل الذكاء العقلي IQ أكثر بكثير مما نقدّر الذكاء العاطفي EQ .

 

لماذا أتحدث عن الأطفال والمشاعر؟ لقد شهدنا زيادة ثابتة في الاضطرابات النفسية بين البالغين - في أستراليا وحول العالم وأرى أن هذه الزيادة في الاضطرابات متجذرة جزئيًا في الرسائل التي تلقيناها كأطفال حول كيفية التعبير عن المشاعر والعواطف.

بالطبع، من السهل إلقاء اللوم على والدينا لما فعلوه أو لم يفعلوه. لكن القضية الحقيقية هي عدم معرفة القراءة والكتابة العاطفية في ثقافتنا. نحن لا نعلّم الآباء كيفية الاستجابة لمشاعر الأطفال وعواطفهم بالتعاطف والرحمة. كما أننا لا نقوم بتدريسها في رياض الأطفال لدينا؛ أيضًا نحن لا نعلّمه في مدارسنا.

 

من خلال خبرتي في مجال عملي على مدار الـ 16 عامًا الماضية مع العائلات حول التعلق والصدمات والتواصل . 

 حيث توجد عادةً  ثلاث طرق نتعلم بها كأطفال للتعامل مع المشاعر والعواطف.

ربما تم تصنيفك على أنك "شقي" أو "فرط الحركة" أو "مسبب للمشاكل " بينما كان كل ما تقوم به  ما هو إلا استجابة لبيئتك.

الطريقة الأولى هي القمع:

ربما عندما كنت طفلاً، تعلمت أنه ليس من الآمن التعبير عن مشاعرك، من المحتمل أنك اضطررت الى الصمت وطُلِبَ منك التوقف عن البكاء أو تم إعطاؤك نظرة جعلتك ترمي كل شيء بالداخل وتدفعه لأسفل بشكل أعمق. إن تأثير القمع على الطفل هو أن تلك المشاعر تبقى هناك.

وبعد ذلك، كبالغين، يمكن أن تظهر هذه المشاعر مرة أخرى عندما تلقي بنا الحياة في منحنى فتظهر هذه المشاعر نفسها، ولكن هذه المرة، نستجيب لها من خلال تناول كأس من الشراب أو قضاء ساعات في تصفح Facebook بلا تفكير أو جعل أنفسنا مشغولين للغاية في العمل لدرجة أننا لا نملك الوقت لنشعر بها.

الطريقة الثانية هي العدوان:

 كطفل، إذا شعرنا بالعجز أو الخوف حقًا ونشأنا في بيئة استبدادية حيث لم يكن لدينا صوت ولا نستطيع أن نقول ما شعرنا به، فستظهر هذه المشاعر مرة أخرى داخلنا. في اللحظة التي تنقلب فيها مشاعرنا عندما نشعر بالخوف أو التهديد، قد تخرج هذه المشاعر في شكل عدواني ، وغضب، وكلمات صاخبة. 

وبعد ذلك تظهر هذه الميول عند البالغين في سلوك التنمر. أو يمكن أن يظهروا في أفكار انتقادية قاسية عن أنفسهم والآخرين. أو يمكن أن تظهر كعنف.

الطريقة الثالثة هي التعبير:

 إذا نشأنا مع بصمة تقول "اهلاً بالمشاعر. سأقبلكم جميعًا - الأجزاء السعيدة، والأجزاء الحزينة، والأجزاء المفرحة، والأجزاء الغاضبة، بدون المحاولة في إصلاحها ، ثم كبالغين عندما نشعر بصعوبة الأمور، يكون في متناول اليد دفتر يومياتنا نكتب فيه أفكارنا. أو نتصل بصديق ونقول: "مرحبًا، هل يمكنك الاستماع إلي؟" أو قد نذهب للركض، ونقوم ببعض اليوجا، ونتحدث إلى معالجنا ونجد طريقة للتغلب على المشاعر التي نشعر بها ونتركها تذهب.

 

أنا أم لثلاثة مراهقين جميلين. عندما أصبحت والدةً لأول مرة، مثل العديد منكم، لم يكن لدي أدنى فكرة عما كنت أفعله، عندما يتعلق الأمر بفهم مشاعرهم وعواطفهم، كانت خطتي هي "سأبقيهم سعداء طوال الوقت"، ولكن، كما يدرك أي شخص لديه أطفال، أن هذه الفكرة سخيفة !

من المستحيل والمرهق للغاية محاولة إبقاء الناس سعداء طوال الوقت. لذلك تعلمت أنني بحاجة إلى إيجاد طريقة لمساعدة أطفالي على الازدهار عاطفياً وأيضًا خلق الانسجام لهم في منزلنا.

أنا محظوظة بما فيه الكفاية لفهم ودراسة الصدمة، وبدأت أرى أن ما نحتاجه كبشر هو مكان آمن لاستكشاف هويتنا جميعًا.

نحن بحاجة إلى حدود وتمسك، لكننا نحتاج أيضًا إلى التعاطف والرحمة لتلك المشاعر الكبيرة التي تنشأ في داخلنا، بدلاً من محاولة إصلاح مشاكلهم ومحاولة إسعادهم طوال الوقت، لقد توقفت وقلت: "أخبرني كل شيء عنها."

في بعض الأحيان كانت هناك دموع، و في بعضها كان هناك غضب أو شكوى، لكن في كل مرة كانت وظيفتي الوحيدة هي الجلوس هناك وتوفير مساحة لهم.

ما بدأت أراه هو تطور الذكاء العاطفي لدى أطفالي.

كيف نتوقع أن يكون لدى أطفالنا التعاطف لأنفسهم والتعاطف مع الآخرين إذا كنا لا نريهم كيف؟

ذات مساء، أدركت مدى قوة ذلك، كنت أقوم بإعداد العشاء ولكن كان عليّ أيضًا أن أذهب للتدريس في فصل دراسي، لذلك كنت أقوم بالصخب الذي يفعله معظم الآباء.

كنت على وشك الخروج من الباب عندما دخلت ابنتي الصغرى، التي كانت في الخامسة من عمرها في ذلك الوقت، إلى المطبخ. بدت غير سعيدة، ويمكنني أن أرى أنها تشعر ببعض المشاعر، التفت إليها وقلت: "عزيزتي، هل تعتقدين أنه يمكنك التمسك بمشاعرك لبضع ساعات؟  بالطبع، نظرت إليّ مثل، "هل تمزحين ؟"

في تلك اللحظة دخلت ابنتي الوسطى، التي كانت في العاشرة من عمرها آنذاك، إلى الغرفة وقالت: “سأستمع إلى مشاعرك"، فقالت"حسنًا". أخذت ابنتي البالغة من العمر 10 سنوات الطفلة البالغة من العمر 5 سنوات إلى غرفة النوم، وفكرت، سأتأخر عن العمل لأنني بحاجة لمعرفة ما سيحدث هنا.

وقفت خارج بابهم، وسمعت ابنتي البالغة من العمر 10 أعوام تقول: "أخبريني كل شيء عنه". وبدأت الطفلة البالغة من العمر خمس سنوات في البكاء والتذمر من كل ما حدث في المدرسة.

قالت الطفلة البالغة من العمر 10 سنوات: "أوه، هذا صعب. ماذا بعد؟" وبعد ذلك كان هناك المزيد من الشكوى ثم المزيد من الدموع والضحك ثم خرجوا من الغرفة.

رأيت ابنتي البالغة من العمر 10 سنوات وقلت لها، "عزيزتي، كيف كان ذلك بالنسبة لك؟" نظرت إلي وقالت: "حسنًا، ماما، لقد فعلت معها ما تفعلينه معي ."

في تلك اللحظة، أدركت أن الأطفال لا يمكنهم أن يكونوا ما لا يمكنهم رؤيته.  كيف نتوقع منهم أن يتعاطفوا مع الآخرين إذا لم نظهر لهم كيف؟ كيف يمكننا أن نتوقع منهم أن يعاملوا الآخرين بلطف واحترام إذا كانوا لا يعرفون ما هو الشعور في داخلهم؟

انا اتساءل :

كيف سيكون الأمر إذا دعمنا الآباء بالفعل بما يلزم مع فهم  الاستماع العاطفي إلى أطفالهم؟

• كيف سيكون الأمر إذا ساعدنا الآباء فعلاً في تفكيك طفولتهم، ليس عليهم حمل تلك الأمتعة ووضعها على أكتاف أطفالهم؟

• كيف سيكون الأمر إذا دعمنا وشجعنا الأولاد على البكاء وأن يكونوا ضعفاء والفتيات على الغضب والعثور على صوتهم والتحدث عما يحتاجون إليه؟

• ماذا لو بدلاً من الضوابط والعقوبات القاسية، استبدلناها بالإصغاء الرحيم والمحبة بحدود؟

• كيف سيبدو الأمر إذا أخذنا كل هذه الأفكار ووضعناها في نظامنا التعليمي؟

منذ حوالي 18 شهرًا، قمت أنا وزميلي بإنشاء مدرسة “Woodline” الابتدائية. تقع في المناطق النائية في "جيلونج" “Geelong” في مزرعة جميلة ذات طبيعة وفيرة، لدينا خيول ودجاج و مساحات خضراء واسعة ، وفلسفة مدرستنا هي تعزيز الرفاهية العاطفية لطلابنا في بيئة تعليمية آمنة.

قال السيد المحترم كين روبنسون: إن أهداف التعليم هي فهم العالم من حولنا والعالم بداخلنا ولكن ماذا لو أعطينا الأولوية للعالم في الداخل؟

تظهر الأبحاث أنه عندما يشعر الأطفال بالأمان للتعلم - مما يعني أنهم يشعرون بالحرية من الحكم والنقد، فإنهم يتعاملون بلطف واحترام، ويتمتعون بالاستقلالية في أجسادهم وتعلمهم، ويتم منحهم الكثير من الحب والاحتفاء بهم بسبب اختلافاتهم الفريدة  فتصبح أنظمتهم العصبية تعمل بكامل طاقتها وتزداد قدرتها على النمو والتعلم.

هدفنا في “Woodline” هو أن يتعلم الأطفال عن العالم ويطوروا أيضًا مهارات حياتية مهمة مثل الذكاء العاطفي وعقلية النمو والتفكير النقدي وحب الفشل. في كل مرة تفشل فيها، تدرك، "آه، هناك الكثير من الخيارات التي لم أكتشفها بعد!"

أكثر من أي شيء آخر، نريدهم أن يتعلموا أن يكونوا مواطنين عطوفين على الأرض.

كما قال الراحل العظيم السيد كين روبنسون: إن أهداف التعليم هي فهم العالم من حولنا والعالم بداخلنا ولكن ماذا لو أعطينا الأولوية للعالم في الداخل؟ بالتأكيد، سيكون العالم من حولنا أكثر منطقية.

فكر فقط: كيف يمكن أن يكون العالم مختلفًا إذا وضعنا التواصل الفعال والاستماع الحنون في قلب كل علاقة من علاقاتنا؟

 

 

المصدر:

https://ideas.ted.com/how-to-raise-emotionally-intelligent-kids/

 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )