ست خطوات تساعد على التعامل مع القلق أثناء العمل من المنزل

ترجمة: رهف العبداللطيف

تدقيق: تهاني رماني

مدة القراءة: 7 دقائق

عندما بدأت العمل من المنزل، لم أصدق أنني هربت من صخب العمل.

لم يخبرني أحد ماذا أفعل أو أين يجب أن أكون بالضبط! كان بإمكاني أن أعمل وأنا مستلقية على السرير، أو أذهب للتسوق في منتصف اليوم، وعملائي لا يدركون أي شيء من هذا. وعلى الرغم من أنني أعمل كموظف مستقل، كان القلق يلازمني دائمًا وأظل أشعر بالخوف من أن يوبخني شخص ما.

لكن سعادتي لم تكتمل حين أدركت أنني لست لوحدي في المنزل؛ فالقلق كان برفقتي أيضًا.

أصنف نفسي الآن بأنني شخص دائم القلق، حتى في أسعد أوقاتي، ولكن أعتقد في الآونة الأخيرة أصبح الجميع يعاني من متلازمة القلق. بل أصبح القلق عنصر أضافي للعمل عن بعد– مثل مكالمات زوم، واتصال الإنترنت الضعيف، وأصوات الأطفال أو الحيوانات- والتي لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار في يومك، وإنتاجيتك، وإدارة وقتك.

في بعض الأحيان، يدفعني القلق بأن أعمل باحترافية عالية، وهذا يستوجب إنهاء جميع التكاليف والرد على جميع الرسائل البريدية، حتى لو كلفني ذلك بالعمل حتى منتصف الليل. هذا ما يسمى بالإفراط في العمل، وهي الطريقة المألوفة التي يلجأ إليها الأشخاص الذين يستحوذ عليهم القلق ليواجهوا بها هذه المشاعر- وسأعود لذكرها لاحقًا.

وفي أحيان أُخرى، يثير القلق ضجة على هيئة أفكار ومخاوف تقتحم تفكيرنا بشأن المستقبل، مما يؤدي إلى تشتيت الانتباه وعدم القدرة على التركيز. لذا هناك طريقة أخرى لمواجهة القلق وهي التهرب(سنأتي بذكرها لاحًقا أيضًا). فعلى سبيل المثال، بينما أكتب هذه المقالة، قمت بخبز فطيرة الموز، وقمت بمحاولة تفتقر إلى الحماسة لأداد بعض التمارين، كما أطعمت القطط وجبتها الخفيفة قبل الغداء، وتجولت حول المنزل باحثة عن أشياء تحتاج إلى تصليح.

قد يكون العمل من المنزل رائعاً، ولكن حينما يسيطر عليك القلق فإنه يشتت تركيزك ويصعّب عليك إتمام مهامك، فكيف ستكون مسؤولاً أمام نفسك وتقضي مهامك دون استنزاف لطاقتك؟ 

هذه بعض الخطوات التي تعلمتها على مدى الخمس عشرة سنة التي قضيتها في السيطرة على القلق والعمل من المنزل:

 

 

١. تجاهل الأفكار التي تداهمك بمجرد وصول إشعارات البريد الإلكتروني أو رسائل سلاك

أعلم أنني لست الوحيدة التي ينتابها القلق عند استلام رسالة بريد إلكتروني أو رسائل التواصل بين فريق العمل في برنامج سلاك، فقد يكون عميل أو موظف أو المحاسب أو والدتي. يدفعني القلق في ذلك الحين إلى الرغبة في الاطلاع على الرسالة حتى يتلاشى قلقي. ولكن قبل ذلك، يساورني الخوف بشأن المعنى الخفي للرسالة فأعيد قراءتها مرارًا، وبعدها أجبر نفسي على الرد مهما كانت الظروف، حتى لو كنت أتناول الغداء في الثالثة عصرًا أو أقوم ببعض الأعمال المهمة.

لا تلم نفسك على الحماس للرد على كل رسالة، فالعديد من العمل المعرفي الحديث مبني على نظام بافلوف للاستجابة السريعة والعاجلة. ولأن العديد من الأشخاص أُجبروا على الابتعاد عن التواصل الشخصي والعمل من المنزل، فقد تدربنا في العام الماضي على الرغبة في الاستجابة مما لأي إشعار. 

للبدء في اصلاح برمجة أنفسنا من الحرص الزائد، لابد أن نعفي أنفسنا عن العمل لفترة بسيطة. أبدأ بوضع مدة محددة للعمل، واختر ساعة تطفئ فيها أجهزتك أو تخبأها بعيدًا عنك خاصة بعد ساعات العمل. احرص على القيام بذلك تدريجياً خلال أيام العمل. لذلك، اختر ساعة تتجنب فيها التحقق من الرسائل (واضبط بريدك على وضيعة "مشغول" أو "في اجتماع" حتى لا يتساءل الأشخاص عن سبب تأخرك في الرد). من الفوائد الفورية التي أثارت انتباهي عندما تجاهلت هاتفي لساعة فقط، هو شعور الاسترخاء بعد الإجهاد.

 

 

٢. لا تنتظر الإذن لإنهاء يوم عملك

على عكس مكان العمل، العمل من المنزل لا يفرض عليك مغادرة المكان في وقت محدد عند انتهاء ساعات عملك، وهذا ما يجعلك تعمل بلا توقف. لكن لنكن واقعيين، يكون الإفراط في العمل ممتعاً عندما لا تكون تحت سيطرة أحد أو مستلقياً على الأريكة أو متهرباً من بكاء الأطفال. لكن معرفة متى تتوقف عن العمل هو نظام يسفر عنه انضباط وخلق عادات صحية وهي خطوة ضرورية للمحافظة على نشاطك خلال اليوم.

في الحقيقة أتمتع بشخصية مهنية بارعة، ولكن لا إرادياً في بعض الأحيان أشعر بالحاجة إلى قول أحدهم لي: "لقد قمت بعمل رائع اليوم- انتهى عملك." لذلك، يتحتم عليك أن تتعلم كيف تمنح نفسك شعور الثناء والتقريظ بدلاً من أن تنتظره من الآخرين.

غيرت أخصائية علم النفس أليس بويز حياتي حين اقترحت أهمية وضع حدود فعلية لمقدار الوقت المطلوب للمهام التي تجعلني أشعر بالقلق وأميل إلى إفراط التركيز فيها. تُعرف هذه الاختصارات والأساليب التي تساعد في تخفيف القلق ب "المنهج التجريبي أو الاستدلال".

وهنا بعض الطرق التي قد تساعدك في ابتكار الاستدلال لتحديد أوقات عملك، ففي بداية يومك (أو اليوم الذي يسبقه)، أكتب قائمة مهام متزنة، لاحظ الكلمة الأساسية هنا "متزينة"- وليست قائمة مبالغ فيها تحتوي على ٢٤٠ ساعة عمل في اليوم. بناء على التجربة، بالتأكيد ستستطيع تحديد الوقت اللازم لإنجاز كل مهمة. وإن استدعى الأمر أن تقوم بتقدير الوقت، فحاول أن يكون تقديرك للوقت سخياً بحيث تمنح نفسك المزيد من الوقت بدلاً من الضغط على نفسك. اضبط يومك على هذا الأساس وعند الانتهاء، قم بإغلاق جهازك فقد أحسنت صنعًا لهذا اليوم.

 

 

٣. عندما تدخل في دوامة القلق أسأل نفسك: "ما الدافع لشعوري بالقلق؟"

الجانب الآخر من الافراط في العمل هو التهرب؛ التهرب من المواعيد والمهام بسبب القلق. لكل منا أساليبه الخاصة في التكيف مع القلق، فالبعض يواجه القلق للتخلص منه والبعض يتهرب منه ليتناول رقائق الجبن، وهذا ما يقوم به الدماغ لمساعدتنا على التخلص من المشاعر السيئة. لذلك من الضروري أن تتوقف للحظة وتمنح نفسك الفرصة لمعرفة شعورك وملاحظة ردة فعلك لفهم الأسباب والدوافع الكامنة وراء ما يقلقك.

ابدأ بملاحظة ما يشعرك بالقلق في الوقت الحالي وما مدى أثر ذلك على تفاعلك. كمثال واقعي من حياتي؛ التفكير في المال يجعلني في حالة قلق. كذلك عندما تكون الأخبار الاقتصادية سلبية؛ فغالبًا يؤثر ذلك على تعاملي مع أي مهمة تتعلق بالمال. ونتيجة لذلك، عندما أكتب تقرير مالي لمشروعي الصغير، افترض أن النتائج ستكون مأساوية، وهذا ما يغرقني في دوامة الخوف. يطلق أطباء السلوك المعرفي على هذا النوع من ردود الفعل مسمى الأفكار التلقائية المضطربة، وبالتالي، بدلاً من مواجهة جدول البيانات وإتمام عملي، قد أتجنبه كلياً، وذلك باللجوء إلى التسوق الإلكتروني أو تناول المفرحات للتغلب على مخاوفي وقلقي.

أتمنى لو اتعلم كيفية الانتقال من ردود الفعل التلقائية إلى معرفة ما يدفعني للقلق والتحكم في ردة فعلي. أستطيع أن أخبر نفسي:" بما أن النظر إلى الأمور المالية لشركتي ستزعجني، ربما يجب أن أطلب من صديقي أن يقوم بها بدلًا مني، أو ربما أضع مكافأة لنفسي إذا قمت بمواجهة ما يقلقني وأنهيته، مثلًا أكافئ نفسي بمتابعة نيتفليكس لساعة إضافية." أدرك في معظم الأوقات أن القلق السبب الرئيسي الذي يجعلني أبالغ في تصعيب المهام.

 

  

٤. ابحث عن أسهل مهمة وقم بإتمامها

كما ذكرت في المثال السابق، عندما تكون في حالة قلق، من السهل جداً أن تتحول المهام السهلة إلى مهام صعبة ومعقدة في نظرك. لذلك، من الضروري أن تشغل نفسك بعمل ما عندما تجد نفسك غارقاً في القلق وتعتاد على تجنب المهام. نصحني جوناثان باكستير مره وقال:

" الضغوطات دائما ما تدفعك للقيام بإجراء ما. فإذا كانت هناك أنشطة يمكنك القيام بها؛ سواء ممارسة التمارين أو التنظيف أو قضاء بعض الوقت مع أطفالك، فلا تتردد وقم بذلك، واحرص على الاستمتاع بكل ما تقوم به. برمج عقلك دائماً على أنك تمتلك الإرادة وتبذل قصارى جهدك، فالغاية من ذلك هو أن تكون أكثر نشاطاً وفعالية من التشتت بين مهمة وأخرى."

أحب التصفح والقراءة في علم النفس الإيجابي وتجربة اختيار مهام بسيطة ومجدية كجرعة تحفيزية للعمل ومن ثم القيام بمهام أكثر صعوبة. هل سبق أن شعرت بأنك في حالة جيدة بعد أن انتهيت من تنظيم جدول بيانات غير منظم؟  اختر مهمة تربطك بأهدافك الكبيرة وتشعرك بأنك شخص فعال وكفؤ، وهذا ما سيحفزك وسيدفعك لإنهاء كل ما تتجنبه.

 

٥. إذا خرجت الأمور عن السيطرة، فابتعد عن العمل

أن لم تكن قادراً على الإنجاز في ظروف المنزل المختلفة كحالة الفوضى التي يمكن أن تعم المكان أو صعوبة السيطرة على الأطفال، فمن الضروري أن تمنح نفسك الأفضلية للقيام بنشاط جسدي مفيد ونافع لا علاقة له بالعمل. عندما أشعر بصعوبة الاستيعاب أثناء العمل ولا أفعل شيء سوى الدوران بالكرسي، أفضل أن أقوم بعمل يساعد جسمي على الحركة وعضلاتي على الارتخاء. في هذه الحالة، ألجأ دائماً إلى الأعمال المنزلية التي تتطلب جهد بدني أو الطبخ أو تنظيف الحديقة أو صعود الدرج ونزوله عدة مرات. لذلك، لاحظت أن كل هذه الأنشطة تساعدني على الحركة والابتعاد عن الشاشة.

راقب ردة فعلك وما ستشعر به بعد الانشغال بشيء غير العمل، وهل ستعود لإكمال ما تهربت منه سابقاً أم لا؟ ولاحظ أيضًا، كم من الوقت ستستغرق حتى يساورك القلق مجددًا؟ وهل هناك نشاط معين يجعلك دائماً في حالة مزاجية تسمح لك بالعودة لإكمال مهمتك؟

 

٦. استمر في اكتشاف الأنشطة التي تساعد في كبح القلق

التعامل مع القلق يختلف من شخص لآخر، فكل منا لديه محفزات وردود أفعال مختلفة عن الآخرين. فكما ذكرت مسبقاً، المسائل المالية تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لي، فعندما أتلقى أخبار اقتصادية سيئة، سرعان ما تسيطر الأفكار السوداوية على عقلي وأتخيل بأنني سأخسر مشروعي وأفلس وأفقد كل شيء.

مع استمرار مسيرتك المهنية، من المهم جداً أن تكون مُلماً بالأمور التي تدفعك للقلق وتؤثر سلبياً على يومك العملي، ومن الضروري تجنب هذه الدوافع بمجرد معرفتها وتحديدها. أما إذا كان من الصعب تجنبها، فحاول أن تستخدم استراتيجيات وأدوات محددة تساعدك في مواجهة القلق.

 

أخبرني العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم من أجل برنامجي الإذاعي "The Anxious Achiever" (محارب القلق) بأن كتابة قائمة المهام والجداول المفصلة مجدية بالفعل وساعدت على التخلص من الوساوس والإفراط في العمل. وعلى النقيض، هناك أشخاص يؤمنون بأن الخروج من المنزل أو ممارسة التمارين هي الحل الأفضل للتخلص من القلق. أما بالنسبة لي، فوجدت أنني أميل إلى طهو مقدار وافر من المرق أو الفلفل عندما اضطرب ويتملكني القلق.

 

ليس من الصعب أن تقوم بإنشاء يوم عمل من المنزل بلا قلق وتوتر، واقامة تواصل حقيقي مع زملاء العمل، ويسمح لك بإنجاز عملك وعدم الاضطراب حين تنهي عملك باكرًا، ولكنها كجميع المهارات تتطلب بعض التدريب والوقت، فالسيطرة على اضطراب العمل يحتاج إلى وقت وممارسة والأهم من ذلك الإحساس بذاتك وفهمها. مررنا جميعاً بهذه التجارب والصعوبات واستسلمنا في بعض الأحيان. فلا تقلق فأنت لست وحدك.

 

 

 

المصدر:

https://ideas.ted.com/tips-to-manage-your-day-and-anxiety-when-working-from-home/ 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )