كيف تضفي حساً جمالياً على ترجمتك ؟

ترجمة: ياسمين البشيتي

تدقيق: منال المحفوظ

مدة القراءة: 7 دقائق

إن نقل معنَى النص ليس كافيا بل ينبغي على المترجمين أن يكونُوا كتّابًّا أيضا،  ففي الآونة الأخيرة شاعَ  ذكر استخدام التّرجمة الآلية في الأخبار وعلى ألسنةِ الناس ولكن على أرضِ الواقع ترَى معظم العملاء يتطلعُون لمستوى الجودة في الترجمة. ولكن ما هي جودة الترجمة؟ هي الترجمة التي تعكسُ معنَى النص الأصلي وتستخدمُ مصطلحات صحيحة، كما أنها تتسمُ بالسلامة النحوية والخلو من الأخطاء الكتابية. وحتّى نكونَ أكثر وضوحاً ، هل  يعدّ هذا التعريفُ كافيا لجودة  الترجمة ؟  لا يُعِدُّ بعض العملاء هذا التعريف كافيا فهمْ يريدون ترجمةً تتميزُ بحسنِ الصياغة وجذبِ انتباهِ القارئ (عملائهم ) حيث أن جذب انتباه  القارئ لا يقتصرُ على النصوص الإعلانية فقط . 

هلْ دائمًا ما ننجحُ في تحقيقِ ذلك؟ حسبما يبدو فالإجابة لا، والذي دفعني لأصدرَ هذا الحكم هو أنني  سمعتُ ذات مرةٍ من أحد العملاء تعليقًا جاء فيه : "قدْ سبقَ لنَا وأن عملْنَا مع مترجمين ولكن لم نكن راضينَ عن عملهم لذلك نريد العمل مع كُتاَّبْ" ، علمًا بأن هذا العميل لم يكن من العملاء الذي يتطلعون لمترجم رخيص غير متمّرّس، فالرسالة واضحة إذاً، على المترجمين أن يكونوا كتابا أيضا. ولكن كيف يمكننا تحقيق ذلك ؟ 

 

قبل الشروعِ في العمل 

مهم جداً معرفة لمن ستترجم قبل البدء بمرحلة الترجمة. ليس هذا فحسب بل عليك أيضا معرفة الهدف من ترجمة هذا النص و الأغراض التي سيخدمُها. فعلى سبيل المثال ، ينبغي عليك طرح هذه الأسئلة : هل هو نص إعلامي يهدف إلى بيع منتج معين للمراهقين أو أنه نص يرمي إلى زيادة وعي الجمهور من كافة الأعمار بالبيئة ؟ هل سينشر النص بصيغة مطبوعة أم الكترونية ؟  ستساعدك الإجابة على تلك الأسئلة في معرفة أي أسلوب عليك استخدامه كما أنها ستساعدك في جذب اهتمام القراء - والأهم من ذلك – إبقاء هذا الاهتمام في نفوسهم . 

 

نصائح للكتابة : 

قد لا تكون جميع نصائح الكتابة المذكورة أدناه صحيحة ومناسبة لجميع النصوص ، ولكنْ ينبغي عليك أن تتغلبَ على خوفك وأن تبدأ بتجربة استراتيجياتٍ كتابية  تختلف عما كنت معتادا عليه من قبل، لأن القراء لا يفضّلون قراءة نفس النوعِ من النصوص مرارًا وتكرارًا فهمْ أحيانًا يميلُون إلى وجود حس المفاجأة فيمَا يقرؤونه . 

عليكَ التأكد  من أن أسلوبك في الكتابة يتسم بالتوافق والاستمرارية ولكن لا ينتابك الخوفُ حيالَ التلاعب بأسلوبِ النص.

 ينبغي أن يكونَ أسلوبُ النص متطابقًا في كاملِ المستند المقدَّمِ من نفسِ العميل. هذا وقد يُشَبِّه  البعض الأسلوب المتبع في  الكتابة  بهوية الشركة ، حيثُ أنه من المفترض أن يكونَ واضحًا و جليا في جميع أنواع النصوص سواء كانت تلك النصوص في موقع الكتروني أو رسالة إخبارية ، أو كتيّب، لا تتردّد أيضًا في التلاعب بأسلوبِ النص ضمنَ حدود معينة. فهناكَ ظلالٌ متنوعة للكتابة الرسمية والغير رسمية، فعلَى سبيلِ المثال يمكنك إضافة حس فكاهي عن طريق التلاعب بالكلمات لإضفاء المزيد من الجمالِ على النّص. 

لا ينتابكَ الخوفُ أيضًا بتجربة أمر مختلف .

 فالناس بطبيعتهم لا يفضّلون قراءة النصوص ذاتِ العباراتٍ الشائعة ، ولتفادي تلك المعضلة ، عليك استخدام قاموسِ المرادفات لإيجادِ مصطلحاتٍ بديلة واستخدامها. كما عليك أن تطلق العنان لقلمك في مسوداتكَ الأولى (لا تخف، فلا أحد يمكنه الإطلاع عليها ). ما يجب عليك أن تضعهُ نصبَ عينيك أيضا هو أنه بإمكانك خلقُ فكرة رائعة ولكنّ لن يكونَ سهلًا أن تجعل الفكرة الميتة رائعة. بمعنًى آخر، بإمكانكَ أن تخفف من حدة النص المبالغِ فيه ليتناسب مع الجمهور ولكنه سيكون من الصعبِ حقًّا أن تعيدَ صياغة فكرةٍ مملة لتصبح أكثرَ إثارة. 

لا تجعل الأسلوب الرسمي جداً طاغياً على نصك.

حتى وإن طلب العميل منك استخدام لغة رسمية أثناء ترجمتك، إلا أنه يتحتّمُ عليكَ أن لا تجعل النصّ رسميًّا جداً فأنت في نهاية المطاف تتحدثُ بشكل مباشر للقارئ. بمجرد إِحكامِ قبْضَتِنا على الأقلام في أيدينا أو أن تكون لوحة المفاتيح تحت أصابعنا ، فإننا نتحوّلُ إلى حالة  " النص المكتوب" والتي تولّدُ أسلوبًا كتابيا رسميًّا وموضوعيا . خفف من ذلك! فهدفك من الترجمة أن تجعل الجمهور يقرأ ما تكتب، أليس كذلك ؟! 

اختر العناوين الجذابة.

 تتميزُ العناوين الجذابةُ بأنها تلْفِت نظر القارئ كما أنّها ترسخُ في ذهنه، وفي حالِ لم تكنْ متأكدًا مما إذا كان العنوان الأصليّ سينالُ إعجاب العميلِ أم لا، فعليكَ  تقديم عدة بدائلٍ للعميلٍ ليختار من بينها ، وليكن من بينها عناوينٌ ذاتِ إيقاعٍ غنائي لطيف، ففي هذه الحالة ستفسحُ المجال للعميل ليختار العنوان الأفضل. من الممكن تطبيقُ هذه الاستراتيجية على الموضوع الرئيسي للنص كما يمكنكَ تطبيقُها أيضًا على العناوين الثانوية، كمَا يجبُ عليكَ أيضًا التأكد من أن العميل سعيدٌ بالعمل الذي تقوم به لأن بعض العملاء وببساطة لا يهتمون إلا بالتوصلِ إلَى حل يتوافقُ مع مطالبهم .

 

النصائح العملية 

بعيدًا عن استخدامِ النصائح والحيل الكتابية لرفعِ مستوى جودة النّص، من المهم أيضًا استخدامُ مجموعةٍ من النصائح العملية التي قد تساعدُك في تحسينِ عملية الترجمة .

 اطلبْ من العميل أن يعطيكَ ملخصاتٍ أو مرشدا أسلوبيًّا أو عينات من نصوص سابقة . 

إن امتلاككَ مرشدًا أُسلُوبيًّا قبل المباشرة في عملية  الترجمة -أو ما يعرفُ بالنصوصِ المترجمة مسبقًا- أو أي نص يقّدمهُ العميل لك قد يساعدك على تكوين فكرةٍ عن الأسلوبِ الذي يريدُه العميل. وفي حال عدم امتلاكِ العميلِ لأيِّ نص مسبق، قد يكونُ من الصعبِ عليك أن تحدد  نوع الأسلوب الذي  يريدُه. ولكي تتفادَى الوقوع في تلكَ المشكلة ، يُسْتحسَنُ بكَ أن ترسل لعميلكَ عينةً من ترجمتك - إذا كانَ ذلك ممكنًا - ( صفحة واحدة قد تفي بالغرض ) حتّى يتسنّى للعميلِ تحديد ما إذا كانت هذهِ الترجمةُ التي يريدُها أم لا . 

اصرفْ ذهنَك قليلًا عن النص في حال وقعتَ في مشكلة في التّرجمة .

 كلٌّ منّا سبقَ وأن واجهَ تلكَ المشكلة أثناء قيامِه بعمليّة الترجمة ، فبينمَا أنت منخرطٌ في عمليّة الترجمة إذ بعقبةٍ تعترضُ طريقكَ فتقطعُ حبلَ أفكارِك ، وفي خِضَمِّ محاولاتك بأن تأتي بكلمة تناسبُ  ترجمتك،  إذ بكَ تلاحظُ أن كل ترجمة تأتي بها غير مناسبة للسياق . ما عليك  فعلُه في هذه الحالة هوَ تركُ الترجمةِ قليلاً وأخذُ قسطٍ من الراحة ، وبإمكانك استئناف الترجمة في اليومِ التالي، ستَرى حينَها أنّك وجدتَ ضالتك وأتيتَ بكلمةٍ تتناسب مع ترجمتك. ولهذا السبب فإنّه لا يفضل قبول الأعمال التي تمنحُك وقتًا قصيرًا للترجمة إذا أردتَ تقديم ترجماتٍ محكمة الصِّياغة. وفي أحلَك الظروف إذا لمْ تستطعْ أن تتركَ النّص ليلةً كاملة فخذ فترةَ راحةٍ مارس فيها ما تحب ثمّ عاود الترجمة.  هلْ أنت من الأشخاصِ الذينَ تتوالى عليهم الأفكار خلالَ الاستحمام أو خلالَ انتظارِ دورك في السوق ؟  إذًا سارعْ بأخذِ حمام دافئ أو اذهب للسوق لتتوالى أفكارك! إن هذهِ الطريقة سهلةً بالنسبة للمترجمين المستقلين، أما إذا لم تكنْ كذلك، فخذ جولةً في الهواء الطلق ..! 

أعد قراءة النّص جهرًا. 

هل تبدو ترجمتكَ طبيعية ؟ وهلْ تتعثّرُ حينَ قراءتك لبعضِ الجمل أم عليكَ أن تعيد قراءتها مرةً أخرى؟ في كلّ مرةٍ تتوقفُ فيها عاود قراءة النّص من جديد وأعد الكتابة مرةً أخرَى حيث أن قراءةٍ النّص من تنسيقٍ مختلف - كقراءتِه على الورقِ بدلًا من الشاشة - قد تكونُ وسيلةً مساعدة لجعلِ ترجمتك أكثر سلاسة. يعدّ أيضًا تغيير الخط المستخدمِ في النص وسيلة مساعدةً  لجعل الترجمة أكثر انسيابية وسهولة، حيثُ أنّ النص سيبدو مختلفًا بالنسبة لك كما لو أنكَ تنظُرُ إليه بنظرةٍ جديدة . 

 

كيَف ترفعُ من مستَوَى كتابتك ؟ 

إن استخدام الحيلِ والنصائح الكتابية ليس كافيًا لتطويرِ كتابتك حيثُ أنّك إذَا كنتَ تريدُ أن تصبحَ كاتبًا و مترجمًا في آنٍ واحد فعليكَ أن تبذُل قصارَى جهدك علَى تطويرِ مهارةِ الكتابةِ لديك . 

الزمْ قراءة الكتب وداوم على حضور الدوراتِ المتعلقة بالكتابة . حتّى وإن لمْ تكنْ تقدم خدمات في الكتابة والتأليف ، فإن حضور دورات الكتابة وقراءة الكتب سيقدمُ  لك نصائحًا مفيدة حول كيفية الكتابة بشكل جيد . هناكَ الكثيرُ من الكتبِ المتاحة التي تدور حول الكتابة والتأليف  ، ما عليكَ فعلهُ هو أن تنظرَ عن كثبٍ قليلًا وأنْ تقرر ما هو أفضل كتابٍ يتناسبُ مع نوعِ النصوص التي غالبا ما تترجمها  .

اعملْ مع مدقق . تعدُّ ممارسة هذه الخطوة أمرًا شائِعا في الترجمة ، ولكن تصبُح الحاجةُ ملحّة إليهَا عند ترجمة النصوص  الإبداعية. حينَ تواجهك صعوبة في تقديمِ ترجمة فكاهيةٍ لتعبيرٍ غريب أو تورية مضحكة، ستساعدَك هذه الخطوة وذلك عن طريقِ قيامك بالعصفِ الذهني مع شخصٍ آخر، ومن المستحسن أن يكونَ هذا الشخص ذا خبرةٍ أكثر من خبرتك أو أن لديه خلفية  في مجال الكتابة . كما يعدّ العمل مع مدقق واحد طوال فترة إكمال المشروع مفيدًا، خصوصاً عندما يتطلبُ المشروع فترة طويلة من الوقت حيثُ أن أسلوب المشروعَ يجبُ أن يكونَ متوافقاً . أضف إلى ذلك أن توفّر معرفة قوية بين المدقق والمترجم قدْ يخلقُ أسلوبًا متناسقًا للنص .
 ستستفيد من مناقشتك لمحاور النص مع شخص آخر ، إلا أن هذه الفرصة ليست متاحة دائماً أثناء العمل لدى بعض الوكالات . 

كنْ متخصِّصا . لا يقتصرُ التّخصصُ على المُصطلحاتِ فقط بل يتعدّى ذلك إلى فهمِ اللغة التي يستخدمها المختصين والقدرة على خوضِ حديثٍ معهم باستخدام لغتهم . خذ على سبيلِ المثال  تلكَ النصوص المتعلقة بالموضة والتي تتميزُ بقالبها الغير رسمي واحتوائها على الكثير من التوريات والتلاعب بالألفاظ ، وبناءً على ذلك  عليكَ أن تكونَ قادرًا على إعادة كتابتها في ترجمتك .

 

أضفِ حس الإثارة ! 

 كمترجم ، ليس بوسعك أن تطلقَ العنان لقلمك ليكتبَ ما يشاء بل عليك أن تتقيدَ بماجاء في النص المصدر. كما أن العملاء لا يريدونك أن تخرجَ عنه ، ولكنْ في نفس الوقت معظم العملاء لا يميلونَ إلى الترجمةَ الحرفية.  إن المهمة التي تقعُ على عاتقنا هي أن نخلقَ توازنًا بين الالتزام بالنص الأصلي وبين إنتاج ترجمةً طبيعية حسنةَ الصياغة. إن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك هو إضفاء حس الإثارة على ترجمتك والتي تجعلها مختلفة بعضَ الشيء عن النصوصِ الأخرى .  

 

المصدر :

 https://www.ata-chronicle.org/featured/how-to-spice-up-your-translation/ 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 2 )
09 أبريل

Tr. Sara

  • الساعة : 15:50 PM
  • 09 أبريل
معلومات جداً مفيدة ورائعة...ألف شكر لتراجم
29 مارس

ساره

  • الساعة : 20:41 PM
  • 29 مارس
موضوع جميل جدًا فيه معلومات كنت اجهلها كمترجمة شبه مبتدئة أفادني الموضوع جدًا شكرً تراجم ✨