طريقة بسيطة لبناء ثقة الآخرين: اطلب منهم تقديم النصيحة

ترجمة: أمجاد الغامدي

تدقيق: تهاني رماني

مدة القراءة: 6 دقائق

تخيل أنك في تجمع عائلي وبينما تتبادل الأخبار مع أقربائك لترى ابنك ذو الثلاث سنوات يسحب لعبة من طفل آخر. وبعد معاقبته بإبعاده لوقت مستقطع، تقول لك إحدى قريباتك: "أعتقد أنه بإمكانك التعامل مع ذلك بشكل أفضل"، وتعطيك درسًا في تأديب الأطفال.

كيف ستشعر؟

الاحتمال الأكبر أنك لن تكون ممتن، فلا أحد يحب تلقي المحاضرات.

والمثير للسخرية أنه بالرغم من اعتقادنا جميعًا بأن هذا النوع من النصائح غير المرغوبة محبط للغاية، إلا أن أغلبنا قد قدمها من قبل، فمن الشائع تقديم النصائح حين نرى شخصًا بحاجتها.

"حتى مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض والطلاب غير المتفوقين والمسرفون في الإنفاق قدموا استراتيجيات ذكية، فقد كانوا يعرفون الطرق التي يتغلبون بها على مشاكلهم؛ ولكنهم فقط لم يتبعوها."

التقيت قبل عدة سنوات (بلورين إسكريس وينكلر)، طالبة دراسات عليا كانت تشعر بأننا عكسنا القاعدة وعازفة بيانو تنافسية سابقة وطالبة في إحدى جامعات النخبة في أمريكا، بالإضافة إلى كونها صاحبة إنجازات عالية شعرت بالحيرة عندما رأت أن العديد من زملائها الموهوبين كانوا يواجهون صعوبة في تحقيق أهدافهم.

وأرادت كطالبة دكتوراه في علم النفس فهم ما يفصل أصحاب الأداء الأفضل عن بقيتنا، فبدأت بجمع البيانات، واستطلعت آراء الأمريكيين الذين يواجهون صعوبة في ادخار المال وخسارة الوزن والتحكم بأعصابهم والعثور على عمل، كما أجرت عدة مقابلات مع مندوبي المبيعات وطلاب المرحلة الثانوية، وسألت الجميع عن أهم الأسباب المحفظة ليكونوا أكثر نجاحًا على الصعيد العملي والشخصي والأكاديمي.

اكتشفت لورين أمرًا مفاجئًا: عندما تعلق الأمر بالأسباب التي تجعل الأشخاص أكثر نجاحاً، كان لدى الناس الكثير من الأفكار الجيدة لتحقيق ذلك. حتى مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض والطلاب غير المتفوقين والمسرفون في الإنفاق قدموا استراتيجيات ذكية، فقد كانوا يعرفون الطرق التي يتغلبون بها على مشاكلهم؛ ولكنهم فقط لم يتبعوها.

وبدأت لورين بالاشتباه في ارتباط الفشل في التصرف بانعدام الثقة بالنفس – أو كما سماها عالم النفس الأسطوري من جامعة ستانفورد (ألبرت باندورا) "انعدام الكفاءة الذاتية".

فالكفاءة الذاتية هي ثقة الشخص في مقدرته على التحكم بسلوكه وحوافزه وظروفه الاجتماعية. يعاني المناضلين لتحقيق أهدافهم أحيانًا من انعدام الإحساس بالأمان؛ بينما يؤدي انعدام الكفاءة الذاتية في الحقيقة إلى عدم وضع أهداف من البداية.

 

"نفترض في كثير من الأحيان أن ما يُعيق الآخرين عن التغيير هو الجهل، لذلك نقدم لهم النصيحة، ولكن ماذا لو كانت المشكلة هي انعدام الثقة؟"

تؤكد الأبحاث ما هو واضح: حين لا نثق بقدرتنا على التغيير، فإننا لا نحرز الكثير من التقدم نحو التغيير، أوضحت إحدى الدراسات أنه أثناء محاولة خسارة الوزن، كلما زادت ثقة الأشخاص بمقدرتهم على تغيير عاداتهم الغذائية ونشاطهم الرياضي، كلما كانوا أكثر نجاحًا. كما أظهرت دراسة أخرى أنه كلما زادت الكفاءة الذاتية عند الطلاب الجامعيين في مجالات العلوم والهندسة، كلما زادت نسبة تفوقهم وكانوا أقل عرضة للانسحاب من تخصصاتهم.

ألهم هذا الأمر لورين بفكرة، حيث نفترض في كثير من الأحيان أن ما يُعيق الآخرين عن التغيير هو الجهل، لذلك نقدم لهم النصيحة، ولكن ماذا لو لم تكن المشكلة في انعدام المعرفة، بل انعدام الثقة – وبالتالي فإن حكمتنا غير المرغوبة لا تحسن الأمور، بل تجعلها أسوأ؟

عرفت لورين باعتبارها عالمة نفس أن الأشخاص سرعان ما يستنبطون الرسائل الخفية وراء أفعال الآخرين، وقد ننقل رسالة للآخرين بدون قصد أثناء تقديمنا للنصيحة بأننا لا نعتقد أنهم قادرون على تحقيق النجاح وحدهم، وتساءلت: "ماذا لو قلبنا النص؟"

إذا كان تقديم النصيحة قد يدمر الثقة، فإن سؤال الأشخاص الذين يناضلون ليكونوا ناصحين أو مرشِدين بدلاً من منصوحين أو مرشَدين قد يكون أسلوباً أفضل، فتشجيع شخص على مشاركة حكمته يدل على أنه ذكي وقادر على مساعدة الآخرين، وأنه شخص قابل للنجاح، كما يُظهر أننا نثق بقدراتهم.

وأجرت لورين استطلاع رأي تلو الآخر على الأمريكيين الذين لم يصلوا لأهدافهم – مثل الادخار، أو التحكم بأعصابهم، أو خسارة الوزن، أو العثور على وظيفة جديدة، ووجدت أن معظم الأشخاص توقعوا أن تلقي النصيحة سيكون أكثر تحفيزًا من تقديمها، مما يفسر كوننا جميعًا ضحية للنصائح غير المرغوبة، ولكن حين درست هذا الاعتقاد باستخدام تجربة علمية محكومة، ووجدت أنها كانت مخطئة، فكما كانت تشتبه أن تشجيع من يسعى خلف أهدافه لتقديم النصيحة يؤدي إلى الإحساس بالتحفيز أكثر من تقديم النصيحة لهم.

 

"نجحت الاستراتيجية التي اتبعناها: فقد قدم الطلاب الذين أتيحت لهم بضع دقائق لتقديم النصيحة أداءً أفضل في هذه الصفوف مقارنةً بالطلاب الآخرين!"

بالطبع، كان من الممكن أن فكرة لورين لن تساعد الأشخاص على الوصول إلى أهدافهم، لذلك في عام 2018، كونت فريقًا مع (لورين) و(أنجلينا دكوورث) و(دينا جروميت) لإجراء تجربة علمية ضخمة تهدف إلى مساعدة الطلاب على تحقيق أهدافهم الدراسية.

في يوم التجربة، وبعد وقت قصير من بداية الفصل الدراسي الجديد؛ دخل حوالي 2,000 طالب منسبع مدارس للمرحلة الثانوية في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى معمل الحاسب. ملأ بعضهم استبيانًا إلكترونيًا، بينما طُلب من البعض الآخر شيء مختلف – طُلب منهم تقديم النصيحة.

دُعيت هذه المجموعة لتقديم المشورة لزملائهم الأصغر سناً عن طريق استطلاع الكتروني استغرق 10دقائق، وكانت الأسئلة تتضمن: "ما الذي يساعدك على تجنب التسويف؟" و"أين تذهب للقيام بالدراسة المكثفة؟" و"ماهي النصائح العامة التي تقدمها للآخرين على أمل أن يكون أداءهم الأفضل دراسيا؟"

وأمضى الطلاب بقية الفصل الدراسي بعد إكمالهم تلك الاستطلاعات، ثم حمّلنا درجاتهم التابعة للصف الذي ذكروا بأنه الأكثر أهمية بالنسبة لهم ودرجات صف الرياضيات في نهاية الفترة المحددة. لقد نجحت الاستراتيجية التي اتبعناها: فقد قدم الطلاب الذين أُتيحت لهم بضع دقائق فقط لتقديم النصيحة أداءً أفضل في تلك الصفوف مقارنةً بالطلاب الآخرين!

ويجب التوضيح بأن تقديم النصيحة لم ينقل الطلاب الحاصلين على درجات متدنية إلى طلاب متفوقين، ولكنه عزز أداء طلاب المرحلة الثانوية من مختلف مناحي الحياة، فقد رأى جميع الطلاب الأقوياء والطلاب الضعفاء وطلاب برنامج الغداء المجاني والطلاب من العائلات الأكثر ثراء تحسنًا بسيطًا في درجاتهم بعد تقديم النصيحة لزملائهم.

كما سمعنا بشكل عشوائي أن تقديم النصيحة ولّد السعادة في نفوس الطلاب، حيث أخبر طلاب المرحلة الثانوية معلميهم أنه لم يُطلب منهم طرح آرائهم من قبل وأنهم أحبوا ذلك، وتساءلوا بحماس: "هل يمكننا تكرار ذلك قريبًا؟"

وكلمّا تبحّرت لورين أكثر في بحثها حول قوة أثر تقديم النصيحة، كلما أصبح الأمر منطقيًا. حين تطلب من الآخرين تقديم النصيحة فأنت تضمن لهم أن المزيد متوقع منهم، مما يعزز ثقتهم. بناءً على المقابلات التي أجرتها سابقًا، استنتجت لورين أن الأشخاص قادرون على تقديم أراء مفيدة عن كيفية التعامل مع نفس الأهداف التي عانوا للوصول إليها– وتذكرت النصيحة الممتازة التي حصلت عليها من مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض وغيرهم من المكافحين. لذا يُعد هذا مؤشرًا رئيسيًا لمقدرة تقديم النصيحة على مساعدتنا.

 

"في علم النفس، نطلق عليه عبارة "يصبح القول إيماناً". فبعد أن تقول شيئًا لشخص آخر، فمن المرجح أنك ستصدق ذلك أيضًا."

المؤشر الآخر هو ميلنا لصياغة النصيحة التي نقدمها بناءً على تجاربنا الشخصية، فإذا سألنا نباتيًا عن اقتراحاته لاتباع نظام غذائي، فهو على الأرجح سيقدم نصائحًا نباتية، وإذا سألنا مديرًا تنفيذيًا مشغولًا عن الحفاظ على اللياقة البدنية، فسيرشح على الأرجح نظامًا غذائيًا فعالًا. ما نقصده بالمختصر هو أنه حين تُطلب منا المشورة، فسنخبر بما نرى أنه مفيد، وسنشعر بعد تقديم النصيحة بالنفاق إذا لم نتبع نصيحتنا بأنفسنا. في علم النفس، نسمي هذا الفعل بـ "يصبح القول إيماناً"، فبعد أن تقول شيئًا لشخص آخر، فمن المرجح أنك ستصدق ذلك أيضاً.

إليك سؤالًا قد يخطر ببالك: "ماذا لو لم يطلب منك أحد أبدًا تقديم النصيحة؟ كيف يمكنك حينها استخدام فكرة لورين لمساعدة نفسك على النجاح حين يعتمد هذا على أمور خارجة عن سيطرتك – مثل الأشخاص الآخرين؟

الخبر الجيد هو أنه من الممكن الاستفادة من قوة تقديم النصيحة لمساعدة نفسك. وأحد الطرق هي تكوين مجموعة للنصائح: وهم عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يستشيرون بعضهم باستمرار، وقد نفذت هذه الفكرة من قبل، قبل أن أعرف عن بحث لورين بكثير.

في عام 2015، علمت من الباحثة الاقتصادية (ليندا بابكوك) أن النساء تميل إلى تحمل عبء المهام المكتبية في الوظائف منخفضة المكانة، مثل التخطيط لحفلات الأعياد وتدوين الملاحظات في الاجتماعات وتلبية حاجات اللجان (وهذا ما يحدث في مختلف الصناعات والثقافات). قامت ليندا بتشكيل نادي استشاري لتحمي نفسها من هذا المصير، ويتضمن أربع زميلات يقدمون فيه المساعدة لبعضهم على رفض مثل هذه المهام.

 

"عند تقديم النصيحة المطلوبة وتلقيها، ستتعزز الثقة ببعضكم البعض وستنجلي الأفكار التي قد تساهم في حل المشكلة."

كنت معجبة جدًا بالفكرة لدرجة أنني طلبت من زميلتين لي من الطاقم الأكاديمي – (مودوبي أكينولا) و(دولي تشوغ) – الانضمام إلى نادٍ مشابه معي. تعاهدنا على مساعدة بعضنا على اتخاذ قرارات صارمة حين تُدعى أيٌ منا للمشاركة بنشاط يستهلك كثيرًا من الوقت في غير مسؤولياتنا التعليمية والبحثية. الآن، حين يُطلب من أحدنا تقديم محاضرة أو كتابة مدونة أو إجراء مقابلة، فإننا نلجأ لمجموعة "الرفض" لمناقشة ما إذا كانت هذه الفرصة تستحق الوقت والجهد، ونتبادل النصائح عن كيفية رفضها إذا لم تكن تستحق.

كانت النصائح التي تلقيتها من المجموعة لا تقدر بثمن، ولكنني حصدت كذلك منافع عظيمة من تقديم النصيحة. عززت مساعدة زميلاتي ثقتي بأنني أستطيع الفصل فيما إذا كان من الصواب أن أقول لا، مما قلل من اعتمادي عليهنّ شيئًا فشيئًا، كما استفدت أيضاً من عبارة "يصبح القول إيماناً". وبعد تشجيع شخص على عدم إهدار وقته في تقديم محاضرة في موضوع خارج عن نطاق خبرته، سأشعر بالسخرية عند قبولي لدعوة مماثلة.

قد تفكر في إنشاء نادٍ لتقديم النصيحة مع أصدقاء ينايلون من أجل تحقيق الأهداف المماثلة التي تطمح في تحقيقها. فعند تقديم النصيحة المطلوب وتلقيها، ستتعزز الثقة ببعضكم البعض وستنجلي الأفكار التي قد تساهم في حل المشكلة.

يشير اقتراح بسيط آخر إلى عكس اتجاه النصيحة حين تكون في موضع تحدي، حيث يمكنك سؤال نفسك: "إذا كان هناك صديق أو زميل يواجه هذه المشكلة، فأي نصيحة سأقدمها له؟" تبني هذا النوع من وجهة النظر قد يساعد في التعامل مع نفس المشكلة على مستوى رفيع. 

 

 

 

المصدر: 

 

 https://ideas.ted.com/build-confidence-self-efficacy-ask-for-advice/ 

 

 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )