٣ استراتيجيات معتمدة علميًا لزيادة مستوى إبداعك

ترجمة: مريم العامر

تدقيق: فرح العواد

مدة القراءة: 5 دقائق

كيف يمكنك اختراق إبداعك؟

مصطلح "الاختراق" له سمعة سيئة في عالم البرمجة، ويعني محاولة شخص السيطرة على نظام التحكم في كمبيوتر شخص آخر، غالباً ما يكون الهدف غير شريف. لكن تحول معنىالكلمة قليلاً ليصبح الاختصارات للثقافة الشعبية كـquick fixأوshortcut”.

لا ينطبق أي من هذه المصطلحات هنا لسببين؛ الأول: النظام الذي نحاول السيطرة عليه هوالجهاز العصبي الخاص بنا. الثاني: لا توجد طرق مختصرة عندما يتعلق الأمر بقمة الأداءالمستمر.

عندما استخدم مصطلح مثل "الاختراق" لوصف طريقة ما، ما أعنيه هو "اكتشاف كيفية عمل الجهاز العصبي لصالحك وليس ضدك". و كانت هذه طريقتي منذ زمن بعيد لتحقيق أي إنجاز عظيم.

فيما يلي ثلاث استراتيجيات معتمدة على أسس علمية لاستخراج قدرتك على ابتكار أفكار إبداعية  و جديدة.

 

الاستراتيجية الأولى: صادق القشرة الحزامية الأمامية (ACC)

عندما يتحدث الباحثون عن الإبداع، غالباً مايكررون ظاهرة تسمى بالاستبصار. وتعني الإدراك المفاجئ ودائماً ما نشعر بها عندما نتلقى مزحة، أو نحل لغز، أو نحلل موقف غامض.

في مطلع القرن الحادي والعشرون، سلط عالم الأعصاب في جامعة نورث ويسترن مارك بيمن و عالم النفس المعرفي في جامعة دركسل جون كونيوس الضوء على هذا الموضوع. أعطواالأشخاص مجموعة من المصاعب الفنية المترابطةالمعروفة بإسم مصاعب الاستبصارواعتمدوا على عملية تخطيط كهربائية الدماغ (EEG) والتصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI) لمراقبة حركة نشاط أدمغتهم أثناء الاستجابة.

إن المصاعب الفنية المترابطة تشبه لعبة الكلمات المتقاطعة. فيُعطى المشاركون ثلاث كلمات، على سبيل المثال: صلصة sauce / السلطعون crab / صنوبر pine، ثم يُطلب منهم القيام بشيء واحد فقط، وهو إيجاد كلمة رابعة تُكمل المجموعة . (في هذه الحالة ستكون الإجابة"التفاح" كما في: pineapple الأناناس / crab apple التفاح البري / apple sauce صوصالتفاح).

البعض حل المسألة بشكل منطقي و ببساطة عن طريق اختبار كلمة تلو الأخرى. والآخرون حلوا المسألة باستخدام الاستبصار، مما يعني أن الإجابة ظهرت ببساطة في أذهانهم. وقليل منهم كانوا مزيج بين الحالتين.

الحدث الذي كشف عنه بيمن وكونيوس هو التحول الملحوظ في وظائف الدماغ.

فقد كان نشاط القشرة الحزامية الأمامية (ACC) متزايد، فبمجرد ظهور المشكلة أمامهم يمكنهم حلها بالاستبصار. وتلعب ACC دورًا هاماً في الوظائف التنفيذية والتحفيز، وهوالجزء الذي يتعامل مع كشف الأخطاء وتصحيحها بسبب الإشارات المتضاربة في الدماغ.

يقول كونيوس: "يتضمن ذلك استراتيجيات بديلة لحل المشكلة". حيث أن الدماغ لا يستخدم استراتيجيتين مختلفتين في نفس الوقت وذلك بسبب أن البعض يكون نشط بقوة لأنه أكثر وضوحاً، والآخر ضعيف لأنه مرتبط بالمشكلة عن بعد، مثل الأفكار الغريبة والأفكار بعيدة المدى. وهي الأفكار الإبداعية. عندما يتم تنشيط القشرة الحزامية الأمامية، يمكن اكتشاف الأفكار الغير واضحة وضعيفة النشاط وبالتالي يحول الدماغ إشاراته إليها، وذلك ما يسمى بـالإدراك المفاجئ.

اكتشف كلاً من بيمن وكونيوس بأن القشرة الحزامية الأمامية تضيء عندما نفكر بأفكار غيرتقليدية.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يحفز القشرة الحزامية الأمامية؟ الإجابة: المزاج الجيد.

عندما نكون في مزاج جيد، تكون القشرة الحزامية الأمامية حساسة بشكل أكبر للأفكارالغريبة. بمعنى آخر، إذا كان نشاط القشرة الحزامية الأمامية شرط أساسي للاستبصار، فإن المزاج الجيد شرط لنشاط القشرة الحزامية الأمامية.

والعكس صحيحٌ أيضاً: إذا كان المزاج الجيد يعزز الإبداع؛ فإن المزاج السيء يزيد الأفكار المنطقية.

يحصر الدماغ خياراتنا على ما هو مجرب وصحيح ، فالشيء الواضح والمنطقي و المعروف بالتأكيد سينجح.

فعندما نكون في مزاج جيد نشعر بالسلام والأمان. ونكون قادرين على منح القشرة الحزامية الأمامية الوقت للانتباه إلى الإشارات الضعيفة، والإستعداد الكبير لتحمل المخاطر. وهذا أمرمهم لأن الإبداع محفوف دائماً بالمخاطر. فالأفكار الجديدة قد تولد المشاكل، و تكون خاطئة وصعبة التنفيذ وتهدد المنظومة.

وهذا يعني أننا ندفع ثمن المزاج السيء بشكل مضاعف. المزاج السيء لا يحفز القشرة الحزامية الأمامية على كشف الإشارات الضعيفة فحسب؛ بل أنه يحد من نشاطنا وفقاً للإشارات التي نلاحظها.

في حين أن المزاج الجيد نقطة البداية لزيادة الإبداع، فإن ممارسة الإمتنان والتأمل الواعي يومياً، والتمارين الرياضية بشكل منتظم، والنوم في ليلة هادئة و مريحة تبقى أفضل وصفة وجدت حتى الآن لزيادة الإبداع.

إن الإجراءات الأربعة المذكورة في ما يلي هي أدوات متعددة الإبداع وتزيد من قدراتنا لتحويل الغير مألوف إلى مفيد.

الإمتنان يدرب الدماغ على التركيز الإيجابي والذي بدوره يعمل على تغيير الميول السلبي وتصفية المعلومات. هذا من شأنه أن يؤثر على الحالة المزاجية ويزيد من الأفكار غير المألوفة . وغالباً ما يكون للإيجابية متعة مختلفة. إن الإمتنان يغذي الشبكة البارزة في الدماغ بالمزيدمن المواد الأولية، وبالتالي يقوم المزاج الجيد الناتج عنه بمنح شبكة الوضع الافتراضي أفضل فرصة لاستخدام تلك المواد من أجل صنع شيء جديد بشكلٍ مذهل.

التأمل الواعي يدرّب الدماغ على كيف أن يبقى هادئاً ومركزًا وغير نشط ، وهذا يزيد الانتباه التنفيذي. لكنه أيضاً يضع مسافة بسيطة بين التفكير والمشاعر ويمنح القشرة الحزامية الأمامية المزيد من الوقت للنظر في الاحتمالات البديلة بعيدة المدى.

لكن ما نوع التأمل الواعي الذي نستخدمه؟ التفكير التبايني وهو يتطلب أسلوب المراقبة المفتوح للتأمل. ففي المراقبة المفتوحة، بدلاً من التحكم في الأفكار والمشاعر فإنك تسمح لهم بالدخول دون إصدار أي أحكام.

التمارين الرياضية تقلل من مستويات التوتر، وتطرد هرمون الكورتيزول من أجسامنا، وتزيد الكيمياء العصبية التي تشعرنا بالرضا مثل هرمون السيروتونين و نورإبينفرين والاندورفين والدوبامين. هذا من شأنه أن يقلل من القلق ويزيد من مزاجنا الجيد ويعزز من قدرة القشرة الحزامية الأمامية ويكشف المزيد من الاحتمالات بعيدة المدى. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفترة الزمنية التي تستغرقها هذه الممارسة هي فترة الحضانة.

الليلة الهادئة والمريحة تقدم المزيد من الفوائد، فهي تزيد من مستويات الطاقة وتوفر القدرة على مواجهة التحديات. و الشعور الناتج بالأمان يحسن الحالة المزاجية ويزيد من استعدادنا لتحمل المخاطر وكلاهما يرفع من مستوى الإبداع. على أي حال، النوم هو أفضل فترة حضانة على الإطلاق. عندما ننام يكون لدى الدماغ الوقت الكافي لإيجاد الروابط الخفية بين الأفكار.

الامتنان والتأمل الواعي والتمارين الرياضية والليلة الهادئة أدوات غير قابلة للتفاوض من أجل تحقيق الأداء المستدام.  فالجزء الغير قابل للتفاوض هو المفتاح لنا عندما تصبح الحياة معقدة، و للأسف غالباً ما تكون هذه الممارسات الأربعة مستبعدة من قائمة أعمالنا. لذلك عندما تصبح الحياة معقدة جرب أن تعتمد على هذه الممارسات للحصول على الإبداع اللازم لفك هذا التعقيد.

 

الإستراتيجية الثانية: إدراك أهمية لا وقت و لا أحد

"لا وقت" هو مصطلح تعريفي لتلك المساحة الواسعة من الفراغ بين الساعة الرابعة صباحاً(عندما أبدأ بالكتابة) والساعة السابعة صباحاً (عندما يستيقظ البقية من النوم). هذا اللا وقت هو مجرد ظلامٌ حالك لا ينتمي لأحدٍ سواي.

إن ضغوطات اليوم المتكررة لا تنتهي ، لذلك هذا الوقت المبكر من الصباح  كاف لتلك الرفاهية المطلقة . فعندما تستغرق في هذا الفراغ  ساعتين لتكوين جملة واحدة بالشكل الصحيح ، فمن سيهتم لذلك الوقت ؟

فالإبداع يحتاج إلى اللاوقت.

جدول المواعيد غالباً ما يكون عامل ضغط.

إن الإجهاد يجبر الدماغ على التركيز بالتفاصيل، وينشط النصف الأيسر من الدماغ ويحجب الصورة الكاملة. والأسوأ من ذلك أنه عندما نضغط أنفسنا نشعر بالتوتر. لذلك فإن استعجالنا بالأمور هو الذي يدمر مزاجنا ويضيق مجال تركيزنا؛ فضيق الوقت كحجر التدمير لإبداعنا.

نحن بحاجة إلى إدراج اللاوقت في جداولنا. اللاوقت هو وقت أحلام اليقظة والمسافة النفسية. تعمل أحلام اليقظة على تبديل وضع الشبكة الافتراضي؛ مما يتيح لعقلنا الباطن العثور على ارتباطات بعيدة المدى بين الأفكار. و يبعدنا اللاوقت عن مشاكلنا قليلاً، وهذا يسمح لنا بالنظرإلى الأمور من زوايا متعددة، والأخذ في الاعتبار وجهات النظر الأخرى. إذا لم يكن لدينا الوقت للحصول على تلك المسافة من مشاعرنا، وأخذ استراحة من العالم فلن يكون لدينا رفاهية الاحتمالات البديلة.  

هو ليس مجرد اللاوقتهو الوقت الذي نقضيه مع أنفسنا.

العزلة مهمة. من المؤكد أن قدراً كبيراً من الإبداع يتطلب التعاون، ولكن مرحلة الاحتضان تتطلب العكس. أخذ استراحة من الحمل الزائد الحسي للعالم يعطي عقلك المزيد من الأسباب للتجول في الزوايا البعيدة. على سبيل المثال، وجدت دراسة في عام 2012، أجراها علماء النفس في جامعة يوتا، وبعد مضي أربعة أيام من عزلتهم في الطبيعة، سجل هؤلاء الأشخاص أفضل نتائج بنسبة 50% في الاختبارات القياسية للإبداع.

حاول أن تبدأ يومك بتركيزٍ غير منقطع لمدة 90 إلى 120 دقيقة. وقتٌ قصير بتدفقٍ مرتفع من شأنه أن يعود بفائدة كبيرة على المدى البعيد.

 

الإستراتيجية الثالثة: فكر داخل الصندوق

المثل يقول "فكر خارج الصندوق" لكن من الممكن عكسه. تدفعك القيود المفروضة إلى الإبداعكما وضح ذلك عازف الجاز العظيم شارليس مينغوس ذات مرة: " يارجل، لا يمكنك الارتجال بأي شيء؛ يجب أن تترجل بشيء مقيد ولكن بشكل خاص بك ".

ففي الدراسات التي أجريت في جامعة رايدر حول العلاقة بين القيود والإبداع، تم إعطاء الطلاب ثمانية أسماء وطلب منهم إستخدامها لكتابة مقاطع متناغمة . والمجموعة الأخرى لم يتم إعطائها الأسماء ولكن طُلب منهم كتابة مقاطع متناغمة، ثم تم الحُكم على إبداع الفريقين من قبل لجنة مستقلة من الخبراء.

مرة تلو الأخرى يتفوق المشاركون في المجموعة ذات الأسماء الثمانية المُختارة على المجموعة الأخرى.

إن النقطة الأساسية بين القيود و الإبداع هي كالصفحة البيضاء فهي تكون فارغة جدًا وبلا فائدة . لهذا فإن أحد القواعد الأساسية في عملي هو: تعرف بدايتك ونهايتك دائماً. كأن يكون لدي حجر زاوية مزدوج ومحددفكل ما احتاجه هو أن اربط الزوايا ببعض. فبدون نقاط الإتصال، قد أعلق أو أضيّع الوقت وأنا أتجول في منطقة عرضية (وهذا ما يفسر سبب استغراق روايتي الأولى 11 ععاما لكي تكتمل).  

تحذير هام: يعتقد الكثير أن القيود الزمنيةأو جدول المواعيدهي حد يسمح بالإبداع. ربما نعم وربما لا.

في وقت سابق، قلت بأن الشعور بعدم الضغط بسبب ضيق الوقت كان مفتاحاً لتعزيز الإبداع، ولا يزال هذا صحيحاً. ومع ذلك أيضاً، يمكن أن تحافظ جداول المواعيد على استمرارالمشاريع الإبداعية إلى أجلٍ غير مسمى.

فقط قم بتحديد جدول مواعيد بعيد بما فيه الكفاية ، حتى تتمكن من إدراج فترات زمنية طويلة في جدولك. ويجب أن يكون جدول المواعيد الإبداعية صعباً بما فيه الكفاية لجعلك تبذل أقصى جهدك، و ليس بالصعوبة لجعلك متفاجئ .

 

المصدر: 

https://ideas.ted.com/3-science-based-strategies-to-increase-your-creativity/  

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )