هل يقلق المترجمون من استحواذ الترجمة الآلية على وظائفهم؟
ترجمة: سارة القحطاني
تدقيق: لولو الحسيان
مدة القراءة: 5 دقائق
ظهر الرجل الآلي "هال" لأول مرة قبل حوالي 50 عامًا في فيلم "٢٠٠١: ملحمة الفضاء".
وبعد مضي أكثر من أربعة عقود لم نصل إلى مستوى الذكاء الفائق الذي صُوّر لنا في الفيلم، ولكننا على مقربة من بلوغ ذلك. وتعد فكرة حكم الآلة للعالم احتمالاً ضعيفاً مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي.
ويتضح التوتر بين الإنسان والآلة في مجال اللغة، حيث يتوقع الكثير بأن الترجمة الآلية ستُغني عن اللغويين البشريين.
كان لمحللي القطاع الصناعي العديد من التوقعات، ولكن كيف يشعر المترجمون حيالها؟ ففي نهاية المطاف هم من سيتأثر أكثر من غيرهم إن وصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى يفوق الذكاء البشري.
تحدثنا إلى ثلاثة لغويين حول الترجمة الآلية ولقد أجمعوا في نقاشهم على أن الترجمة الآلية تتطور، ولكن لا يعني هذا بأن يبدأ المترجمون بالانسحاب.
هل تعد ترجمة الآلية ذات جودة ؟
طلبنا رأي بعض المترجمين الذين تصل خبرتهم في الترجمة إلى 40 عامًا عن جودة الترجمة الآلية وعيوبها. حيث لاحظوا القصور في الترجمة الآلية لا سيما في السياق. وقد وصفا خورخي مويا وكلوديا بولتون جودة الترجمة الآلية بالضعيفة.
وقال خورخي مويا المترجم من اللغة الألمانية إلى اللغة الإنجليزية: " قد تنجح الترجمة الآلية في ترجمة النصوص الأساسية ولكنها تفشل حينما تتجه إلى النصوص التقنية أو التسويقية أو التدريبية". وقال أيضًا: "اضطررت إلى تصحيح الكثير من النصوص التي أدققها، بل أحيانًا اضطر إلى إعادة ترجمة المشروع بأكمله لأنه غير مفهوم".
أقرّ نيكولاس كوميك المترجم من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية بأن الترجمة الآلية لن تحقق نتائج جيدة في النصوص الأدبية أو الطبية. ولكنه أشاد بتقدم وتطور التكنولوجيا فقال: "أعتقد بأن الجودة تتحسن. طلبت مني شركة ما بتدقيق نص تقني بحت مترجم ترجمة آلية وكانت الترجمة جيدة نوعاً ما. تقل مخاطر أخطاء الترجمة والمفردات بمجرد ادراج قاعدة للمصطلحات في الجهاز. ففي هذا النوع من مجالات الترجمة تكون الترجمات واضحة للغاية لأنها تحتوي على جمل صغيرة مكونة من فعل وفاعل ومفعول به ".
"صنع في تركيا"
الترجمة الآلية والسياق
تكمن نقاط القوة في الترجمة الآلية في القدرة على تسريع تدفق العمل. حيث تراجع أنظمة الترجمة الآلية أي مستند في ساعات معدودة بينما يحتاج الإنسان إلى أيام لإنجازها.
يُمكن أن تكون التكنولوجيا مفيدة إذا كانت الظروف مناسبة وفقًا لكميك، قال: " تزيد الترجمة الآلية من كفاءتها في ظروف محددة للغاية اعتمادًا على موضوع الترجمة. ولكن في معظم الحالات الأخرى تعتبر الترجمة الآلية مضيعة للوقت لأن المصطلحات المستخدمة هي غالبًا التعاريف العامة للمصطلح". وأضاف بأن افتقار الترجمة الآلية للمهارات اللغوية الدقيقة هو عقبة أيضًا حيث قال: "قد تجدون أن الترجمة للجملة الفرنسية (Fabriqué en Dinde,)
هي (صنع في تركيا) أي أن الترجمة الآلية أخطأت في ترجمة كلمة تركيا بين البلد والطير".
وأضاف مويا بأن الترجمة الآلية الضعيفة قد تسبب مشاكل في سير العمل، مما يجبر المحررين على قضاء المزيد من الوقت في مستند لم تقرأه الآلة جيدا بالرغم من ذلك فهو يقرّ بأنها لها فوائد في بعض المواقف وتوافقه بولتون في ذلك فتقول: " الترجمة الآلية لا تُسهّل الأمور بالنظر إلى التجارب التي مررت بها حتى الآن. ولكن لأي شخص (ليس مترجمًا ولكن من عامة الناس) لديه نص ويريد معرفة النص بشكل عام فقد تنفعه الترجمة الآلية. أما في مجالاتي الترجمية (التقنية والقانونية والتسويقية) فإن استخدام ذاكرات الترجمة والمعاجم القديمة الجيدة والترجمة التقليدية أسهل وأسرع من استخدام الترجمة الآلية".
سؤال المليون دولار
ماذا عن المستقبل؟ هل يخشى المترجمون فقدان وظائفهم؟ لا توجد إجابة سهلة كما جرت العادة مع العديد من القضايا الجوهرية. ولا يرى اللغويون الذين تحدثنا معهم أي تهديد وشيك من الترجمة الآلية في الوقت الحالي، ولكن مازال هناك بعض المخاطر أيضًا. عندما سُئل مويا عن خوفه من أن يُستبدل المترجمون البشريون بالآلية فأجاب "بالتأكيد لا، فالقيمة التي يضيفها المترجمون البشريون كالجودة، والسلامة، واللمسة الإنسانية تجعل وجودهم ضروريًا كما كانوا دائمًا". وتوافقه بولتون حيث قالت بأن اللغويين البشريين وحدهم لديهم القدرة على التقاط التفاصيل الدقيقة والسياق في المستندات باللغة المصدر.
يخالفهم بالرأي كميك حيث وضّح بأن الترجمة الآلية تتطور وتتقدم بسرعة، وأن هذه التطورات من الممكن أن تحدث نقلة نوعية في صناعة اللغة. وقال: "تكنولوجيا اليوم ليست متطورة كفاية لتحل الترجمة الآلية محل المترجمين البشريين ولكنها تتطور بسرعة. وأضاف بأنه في غضون عشر سنوات سيبدأ المترجمون العمل بصفتهم مدققون للترجمة الآلية في مجالات محددة جدًا مثل الترجمة التقنية". ومع ذلك يلاحظ كميك بأن ترجمة النصوص الدقيقة لا تزال عائقًا أمام الذكاء الاصطناعي. وختم بأن المستقبل قد لا يكون مشرقًا للغويين البشريين.
" لو تخيلنا الحياة بعد عشر سنوات فإن مستقبل الترجمة التحريرية والشفوية محبط للغاية. قال رابليه في روايته (غارغانتوا) أن ما يميز الإنسان هو قدرته على الضحك. فبمجرد أن تتمتع الآلة بهذه الخاصية وتفهم المراد من النص وليس ما قيل سوف نستغني عن الترجمة البشرية ".
المصدر :