البحث عمل إبداعي

ترجمة: ليما عبد

تدقيق: سارة الخيبري

مدة القراءة: 6 دقائق

 

جسدت بعض الدراسات الرابطة بين البحث والإبداع؛ على سبيل المثال: ما أشار إليه العالم تشارلز رايت ميلز في سياق حديثه المعروف عن أهمية (الخيال الاجتماعي) الذي يهدف إلى فهم أسلوب تجّذر وتشكْل العلاقات الاجتماعية الضخمة للأحداث، والمحادثات، والعلاقات .

 

إلا أن معادلة البحث والإبداع غير مقنعة إلا لدى غير علماء الاجتماع عند النظر إلى المفهوم السائد للإبداع؛ حيث اقترحت ( مبادرة درم في الإبداع والتعليم) في إنجلترا تعريفين:

 

  • الإبداع: التمكن من  التخيل والتصور، والتعبير، وابتكار الجديد. 
  • التفكير الإبداعي: تطبيق المعرفة والحدس والمهارات لتخيل وعرض و إنشاء أمر غير مألوف أو متفرد في أطره. 

ونجد أن التفكير الإبداعي يتجلى في كل مجالات الحياة؛ إلا أن تلقائية حدوثه لا تمنع من تعزيزه بالاستمرارية، والتجربة، وممارسة التفكير الناقد والتظافر مع الآخر.

 

ولا يقتصر التعريفان على الفنانين؛ بل ينطبقان على الأبحاث، وعلى ما نمارسه كباحثين، أتوافقوني الرأي؟

وانطلاقًا من إيماننا بمساهمة البحث في المعرفة؛ نقر بأن البحث ما هو إلا استحداث للجديد، واستثناء الدراسات التأكيدية من هذه القاعدة لا يعني توجه أبحاث رسائل الدكتوراه إلى التوجه  لإنشاء غير المألوف أو المتفرد في أُطُره. 

 

توقف؛ هناك مقصد وراء هذا:

 إذا كان البحث عميلة إبداعية؛ ينتابني فضول معرفة ماهية تعزيز الإبداع ودعمه في المجالات والمؤسسات. 

 

أعيش في المملكة المتحدة التي تُرغم  باحثي مرحلة الدكتوراه العالمية في مجالي علم الاجتماع والعلوم على أخذ برامج إجبارية، وأؤمن- مع أني أسلط الضوء على مجالي- علم الاجتماع- بشكل خاص ـ بانطباق الأمر على العلماء أيضًا؛ فتساهم هذه البرامج في فهم الجيل القادم من علماء الاجتماع لتصاميم الأبحاث والفلسفة التي تستند عليها، و اكتساب الوسائل الأساسية للمناهج الكمية والنوعية؛ وهذا مثير للإعجاب، ولو أني مُكلف باتخاذ قرار لفعلت الأمر ذاته. 

 

ولا يفوتني أن اسلط الضوء على المشكلات المتعلقة بهذا التدريب الفريد من نوعه؛ مثل: محدودية الوقت، وانقسامه إلى وحدة دراسية، وورشة عمل، وهذا يحد من المحتوى، ولا يغطي المشاكل المتنوعة للمناهج والمواقف التي يقف أمامها باحثو الدكتوراه في مجال علم الاجتماع؛ فيتفاقم ويزداد بحث العمل عن الأساليب والمناهج التي تكاد تكون معدومة في هذه البرامج الإجبارية. 

  

ويكمن ما نبحث عنه ويقترب إلى صلب الموضوع في الرسائل الخفية التي تتضمنها المناهج وتسير جنباً إلى جنب هذه البرامج.

 

فتركيزنا الدقيق على الأساليب وصحة الدراسات السابقة، واتباع الطريق الأمثل لتلك الإجراءات؛ كمعالجة التصميم لتعيين النتائج، وتحديد التأثير بتتابع ومنطقية ملحوظة، واستمر وتحدث بهذا الأسلوب.  

 

وما له يشمله في هذا النوع من التدريب ينطوي على الإجراءات الأساسية التي يكتمل بها الإبداع والتفكير الإبداعي. وتساءلت: هل سيغير استحقاق البحث الأولوية -بصفته مهنة إبداعية- أساليب تنظيم التدريب المقدم لباحثي الدكتوراه؟ هذا إن كان التفكير الإبداعي يتضمن:

  • إنشاء روابط بين الأفكار المتباينة.
  • إنتاج كثير من الاحتمالات.
  • اكتشاف تفسيرات بمميزات خاصة ومتفردة. 
  • تحديات تؤخذ على أنها اتجاهات فكرية مسلم بها.
  • استكشاف وصياغة الاتجاهات الفكرية.

 

كيف ستتغير الأساليب التي تُصمم وتدَّرس بها دورات تصميم الأبحاث وأساليبها وتحليلاتها أيضاً؟                  

 

فإن تفّوق فضول المبدعين، ونقبوا عن المزيد، وارتفع حس الابتكار ونزعات الحزم والعناد والانضباط والعزم ومالوا للتقييم، كيف تدعم دوراتنا المقدمة للباحثين لبناء هذه النزعات والكم الضخم من الاستراتيجيات؟ كيف نعزز روح التعاون المصاحبة للعمل الإبداعي؟ وماذا لو أصبح الإبداع هو الحس النابض للتعليم؟ 

 

وأحسب استمرارنا على تأكيد أهمية المنهجية، وتجلي آثار العمل وفق تساؤلات محددة؛ إذ يساعدنا ابتعاد مقترحي عن الازدواجية في التخلي عما نمارسه الآن، وعدم البدء بالجديد ؛ بل تغيير المشكلات والافتراضات. 

 

ماذا لو اتخذنا من النقاشات المعتادة أساساً لماهية العمل بإبداع؟ وكيف للإبداع أن ينسجم مع مفاهيم الدقة والجدارة؟ ماذا لو اتخذنا من الجدية موطناً للحدس، والصدفة رفيقةً للبحث، والوصول إلى مفردات مبتكرة من الفوضى الإجرائية؟. ماذا لو طورنا استراتيجيات إبداعية بدلًا من التماشي مع إجراءات مسبقة التحديد؟. ماذا لو اخترعنا أساليب جديدة لحل مشكلة ما؟  

 

علماً بأن شكنا في أسلوب باحثي الدكتوراه عند تعاملهم مع الجدل والشك، وتأقلمهم معهما، واعتقادنا ضياعهم  دون إرشاد؛ أمر منافٍ للصواب. 

 

وتتنامى المناهج الإبداعية لبناء الباحثين، والأساليب البحثية، وماهية عمل الأبحاث في موضوعات اليوم المتعلقة بمجالات علمية شتى. ولكن في ظل وجود الاستثناءات قد لا تضم الدورات التمهيدية والعامة التي تقدم في المملكة المتحدة تلك الموضوعات، فيدرج هذا الأمر كمشكلة في بعض الأحيان . 

 

ومن الجدير بالذكر: أن تدريب الباحثين قد يتضارب عند تفكيرهم بمجالهم؛ إذ يتطلب تبني فكرة جديدة ونسيان أخرى مترسخة بعد تدريب مسبق مزيداً من الوقت. 

 

ويعد إهمال الاهتمام بالعمل الإبداعي مشكلة محتملة أخرى للمهتمين بالأبحاث في العالم وعن العالم. 

ونظرًا لرغبة الداعمين للتدريبات البحثية بجيل صاعد من الباحثين المبدعين القادرين على التعامل مع التحديات الاجتماعية الضخمة؛ قد يضيق الأفق إن سلمنا الإبداع  للصدفة، أو لإمكانيات المشرفين، أو للحظ عند بواكير دعم العمل. 

 

إني على يقين  بوجود المزيد، وأن المزيد سيتحقق في الأبحاث الإبداعية . لكن لما لا نعير الأبحاث التطبيقية والنظرية ـ سواءٌ كانت ذات أهمية عالية أو غيرها ـ الاهتمام ؟ هذا أكثر ما يتبادر إلى ذهني.  




 

 

 

 

 

 

المصدر: 

https://world.edu/research-as-creative-practice/ 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )