العمل بدافع المال أم العمل بدافع المتعة ؟
ترجمة: منيرة درع
تدقيق: لولوة الحسيان
مدة القراءة: 4 دقائق
كتب والت كانيا مؤسس موقع "The Freelancery" السنة الماضية منشورًا مذهلًا بعنوان "اتبع شغفك؟! وإن لم تفعل فاتبع هذه النصيحة بدلاً من ذلك". ففكرة "اتباع الشغف" تشغل تفكيري كثيرًا، وهنا سوف أذكر رأيي عنها:
أحب الترجمة والكتابة والتدريس كثيراً، ولا أستطيع تخيل نفسي أن أشتغل بوظيفة لا أقوم فيها بأي عمل طوال اليوم منتظرا فقط وقت انتهاء الدوام، ومن هذا المنطلق أجد أن اتباع الشغف أمرًا جيدًا، فلطالما أحببت اللغات والكلمات والكتابة، ولكني في المقابل أعتقد أن الرغبة بالعيش في حياة كريمة يجب أن يلتقي شغفك بما يمكن أن يدفع الناس بمقابله المال، لذلك يجب أن يكون هنالك نقطة تجمع بين شغفك وما سيدفعه الناس بالمقابل فعندها يقول بعض المترجمين أنهم يحلمون بالحصول على وظيفة لا تتطلب منهم الجلوس أمام جهاز الحاسوب طوال اليوم؛ أقول لهم بشكل اعتيادي: إذا كنتم تحبون كل ما يتعلق بعملكم مترجمين باستثناء هذا، فارفعوا أسعاركم واعملوا على مشاريع أقل، وهكذا يمكنكم أن تحظوا بوقت فراغ أطول لفعل ما تريدون.
وهنالك حقيقة أخرى من وجهة نظري على الأقل أن كثيرٌ من الأعمال ممتعة طالما لم نعتمد عليها لتسديد فواتيرنا، و عندما أفكر في اهتماماتي التي لا تتعلق بعملي كالأعمال اليدوية، والبستنة، والطبخ، والرياضات الجبلية كلها أعمال يمكنني أن أكتسب من خلالها المال، فمثلا حبي للحياكة، صنعت في السنة الماضية عددًا من عباءات البانتشو مثل التي ارتدتها مارثا ستيورت عندما خرجت من السجن، وقبل عدة أيام كنت أرتدي العباءة التي صنعتها لنفسي، فسألني شخص لا أعرفه من أين حصلت عليها، ثم علق قائلًا: "كنت سأطلب مبلغاً كبيرًا" في مقابل صنعها للآخرين، لكن المشكلة أنني وإن كنت أريد كسب المال من الأعمال اليدوية إلا أن السبب الذي يجعل ممارستها مريحةً للأعصاب أنني أمارسها رغبةً مني، ولست مرتبط بموعد تسليم أو مضطر لإنهاء طلبية. الأمر نفسه ينطبق على الكثير من اهتماماتي البعيدة عن العمل، مثلًا أحب الذهاب في جولات سياحية على الدراجة لمسافات طويلة، وأنا متأكدة من أن بعض الناس يكسبون المال من خلال إقامة مثل هذا النوع من الجولات السياحية، ولكن هذا لن ينجح بالنسبة لي، لأن جزء من الراحة النفسية التي يبعثها ركوب دراجتي يأتي من عدم تفكيري في أي شيء عدا تحريك العجلات، فلا أريد أن أكون تحت الضغط لأجل إمتاع جميع المشاركين في الجولة السياحية، أو لأن عجلة دراجة أحدهم مُفرغة من الهواء، أو لأن أحدهم لا يستطيع المواصلة حتى المحطة التالية، ربما قد ينجح الأمر إذا كنت أقود جولة سياحية على الدراجات بدافع المتعة، إلا أنني لا أريد أن أعتمد على هذا العمل للحصول على ما يكفي من المال لشراء مستلزمات المنزل.
في نفس اليوم الذي سُئلت فيه عن البانتشو قابلت المخطط المالي الذي أتعامل معه، وتحدثنا عن هذا الموضوع (أقصد عن اتباع الشغف وليس عن حياكة البانتشو)، ومن المثير للاهتمام أنه قد قرأ للتو مقالًا على موقع إلكتروني للتخطيط المالي يؤكد على هذه الفلسفة: "لا تتبع شغفك عندما يتعلق الأمر بالوظيفة، ولكن اكسب ما يكفي من المال حتى تستطيع القيام بعمل أقل وكسب وقت أكثر لممارسة شغفك"، ويبدو أن هذا المقال يشير إلى دراسة غير علمية أجريت على أشخاص تركوا وظائفهم المكتبية ليصبحوا مرشدين لرياضة ركوب الطوافات النهرية أو نسّاجي السجاد أو أيًا كانت اهتماماتهم المهنية سابقاً، وكثيرٌ من هؤلاء الناس وجدوا أن الشغف عندما يصبح وظيفة، يكون بطبيعة الحال مجرد وظيفة. لذلك سأجازف وأخمن بأن كل الوظائف تتعرض للكثير من الضغوطات المتشابهة كاللحاق بالمواعيد النهائية، وتلبية رضى العملاء، وإيجاد الطاقة والدافع لصنع المعجزات عندما يحتاج إليها العملاء المهمين. بالنسبة لي، تعيد اهتماماتي التي لا تتعلق بالعمل شحن طاقتي لأعمل بجد في وظيفة استمتع بها، لكن إذا خُيرت بين الحياكة طوال اليوم والترجمة طوال اليوم، فسأختار الترجمة، لأكسب الكثير من المال منها، ثم أقضي بقية وقتي في الحياكة أو التزلج أو زراعة الورود لأنني أريد ببساطة فعل ذلك.