كيف تنشئ تفاعلا تسلسلي من العادات الحسنة؟

ترجمة: ليما عبد

تدقيق: لولوه الحسيان

مدة القراءة: ٧ دقائق

غالبا ما ترتبط السلوكيات الإنسانية بعضها ببعض. لننظر مثلا إلى حالة جنيفر دوكس لي، خلال عقد ونصف من حياتها وهي بالغة، ومنذ انتقالها إلى الجامعة حتى أتمت أربعين من عمرها، لم ترتب سريرها قط إلا عند زيارة والدتها أو الضيوف لمنزلها.

 

لكنها قررت في لحظة ما أن تعيد التجربة بترتيب سريرها ل ٤ أيام متتالية معتقدة أنه عمل بسيط. لكنها في صباح اليوم الرابع رفعت فردة من الجوارب عن الأرض وطوت بعض قطع الملابس المتناثرة في أرجاء الغرفة بعد أن أكملت ترتيب سريرها، ثم وجدت نفسها في المطبخ تخرج الأطباق المتسخة من الحوض وتصفها داخل غسالة الأطباق، لتنظم بعد ذلك أوعية الطعام في الخزانة وتضع على الرف تحفة خزفية على شكل خنزير لتزيينه.

 

وفسرت بعد ذلك ما حدث بقولها: "لقد أطلق ترتيبي للسرير سلسلة من المهام المنزلية البسيطة. أشعرني ذلك بأنني ناضجة بالفعل وسعيدة مع هذا السرير المرتب والحوض النظيف والخزانة المنظمة والتحفة على الرف. أشعر بأنني امرأة أخرجت نفسها بمعجزة من مثلث برمودا للفوضى المنزلية الذي يمتص الطاقة امتصاصا. 

 

لقد وقعت تحت تأثير الدومينو.

 

ما تأثير الدومينو؟

 

ينص تأثير الدومينو على أنه عند إحداثك تغييرا في أحد سلوكياتك، فإن هذا التغيير يحدث سلسلة من التفاعلات، وقد يسبب أيضا حدوث تحول في سلوكيات أخرى لها صلة به. 

 

ويعود أصل هذا التعبير إلى لعبة الدومينو الشهيرة التي يلعبها بعض الأشخاص وهي عبارة عن بناء صف طويل من قطع الدومينو، ثم النقر بلطف على القطعة الأولى منه ومتابعة تسلسل سقوط قطع الدومينو تلوا الأخرى في السلسلة. وقد فكرت بهذا الاستخدام تحديدا لهذا التعبير، لكني وجدت آخرين يقولون تعبيرات مشابهة، منها "تأثير كرة الثلج" و "سلسلة التفاعلات".*

 

على سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة نورثويسترن عام ٢٠١٢ أنه عندما قلل المشاركون من أوقات الفراغ التي يقضونها دون حركة يوميا، أدى إلى تقليل استهلاكهم اليومي للدهون. لم يعطىالمشاركين إرشادات محددة مسبقا لتقليل من استهلاك الدهون، لكن عاداتهم الغذائية تحسنت نتيجة للتأثير الجانبي من تقليل الوقت الذي كانوا يقضونه بالاضطجاع على الكنبة ومشاهدة التلفاز وتناول الطعام أثناء ذلك دون انتباه. فعادة واحدة قادت لأخرى، وسقوط قطعة دومينو أسقط التالية لها.

 

قد تكون لاحظت حدوث أنماط مشابهة لهذا في حياتك. سأعطيك مثالا شخصيا، فعندما التزم بعادة الذهاب إلى النادي الرياضي، أجد تلقائيا أن تركيزي بالعمل قد ازداد، ونومي أصبح مريحا أكثر، رغم أنني لم أضع سابقا أي خطة لتحسين أي من السلوكين.

 

ينطبق تأثير الدومينو على العادات السيئة أيضا. فقد تجد أن عادة تفقد هاتفك تقودك إلى عادة تفقد إشعارات منصات التواصل الاجتماعي التي تقودك إلى عادة تصفح تلك المنصات دون هدف، وهذا يقودك إلى قضاء ٢٠ دقيقة أخرى في التسويف.

 

يقول البروفيسور في جامعة ستانفورد بي جيه فوغ: "لن تستطيع تغيير سلوك واحد فقط أبدا. فسلوكياتنا مرتبطة ببعضها، فعندما تغير سلوكا واحدا، ستتبعه سلوكيات أخرى بالتغير. 

 

في أعماق تأثير الدومينو:

 

حسب ما أعلمه، فتأثير الدومينو يحدث لسببين:

 

أولا: كثير من عاداتنا وأنظمتنا اليومية التي تشكل حياتنا يرتبط بعضها ببعض. فهناك ترابط تبادلي مدهش بين الأنظمة الحياتية، والسلوك الإنساني ليس مستثنى منها. والترابط الفطري بين الأشياء هو سبب رئيس وراء حدوث نتائج مفاجئة في جانب من جوانب الحياة عند إجراء تغيرات في جانب آخر منها، بغضالنظر عن أي خطط تضعها.

 

ثانيا: يستفيد تأثير الدومينو من أحد المبادئ الرئيسة للسلوك الإنساني، وهو الالتزام والتجانس. وقد وضِّحتْ هذه الظاهرة في الكتاب الكلاسيكي 'تأثير 'Influenceالذي يتحدث به الكاتب روبرت سيالديني عن السلوك الإنساني. فالفكرة الرئيسة تكمن في الالتزام الأشخاص بفكرة أو هدف ما، حتى ولو بدرجة بسيطة، يكونوا أكثر ميلا لاحترام هذا الالتزام لأن تلك الفكرة أو الهدف أصبح لديهم مرتبطا بنظرتهم للذات.

 

نعود للقصة المذكورة في بداية هذا المقال، ففور بدء جنيفر دوك لي بترتيب سريرها يوميا كانت تصنع التزاما بسيطا للفكرة فتقول: "أنا شخصية تحافظ على نظافة منزلها وترتيبه." وبعد أيام قليلة، بدأت تلتزم بنظرتها هذه لذاتها في جوانب أخرى في منزلها.

 

وهذا ناتج ثانوي لتأثير الدومينو. فهو لا ينشئ شلالا من السلوكيات الجديدة فقط، لكنه غالبا ما يترافق أيضا مع تحول في المعتقدات الشخصية. فمع سقوط كل قطعة من قطع الدومينو، تبدأ باكتساب معتقدات جديدة حول نفسك وبناء عادات قائمة على هويتك.

 

قواعد تأثير الدومينو

 

تأثير الدومينو هو ليس مجرد ظاهرة تحدث لك، بل هي شيء تستطيع إحداثه بنفسك. فأنت تملك القوة على إطلاق شرارة سلسلة تفاعلات من العادات الحسنة عبر بناء سلوكيات جديدة تقود تلقائيا لفعل ناجح آخر. 

 

توجد ثلاثة مفاتيح تجعل من تأثير الدومينو واقعيا:

 

1. ابدأ بالأمر الذي لديك الحافز الأعلى لعمله. وابدأ بسلوك بسيط واثبت على تكراره. فهذا لا يشعرك بالرضا فحسب، بل ويمكِّنك أيضا من التعرف على نوع الشخصية التي تستطيع أن تكونها. لا يهم أي قطعة دومينو تسقط أولا، المهم هو سقوط إحداها.
2. حافظ على قوة دافعيتك، وانتقل فورا للمهمة التالية التي لديك الحافز لإنجازها. دع قوة الدافعية لإنجاز مهمة واحدة تنقلك مباشرة للسلوك التالي. فمع التكرار سيزداد التزامك بنظرتك الجديدة لذاتك.
3. عندما يراودك الشك، قسم الأشياء إلى أجزاء صغيرة، واحرص على جعل هذه الأجزاء صغيرة والسيطرة عليها ممكنة. فتأثير الدومينو يُعنى بالتقدم وليس النتائج. فحافظ فقط على قوة دافعيتك، واترك التقدم يتكرر مع نقر كل قطعة دومينو للقطعة التي تليها تلقائيا.

 

عندما تفشل العادة بأن تقود إلى السلوك التالي، يكون غالبا السبب هو عدم تقيد السلوك بهذه القواعد الثلاث. توجد سبل عديدة ومختلفة لإسقاط قطع الدومينو. ركز على السلوك الذي يثير حماسك ودعه يندفع في حياتك كلها. 

 

إن كنت ترغب بالحصول على مزيد من الأفكار العملية للتخلص من العادات السيئة واكتساب عادات حسنة، راجع كتابي بعنوان 'عادات ذرية Atomic Habitsالذي سيريك كيف للتغيرات البسيطة في السلوك أن تقود إلى نتائج ملحوظة.

 

المصدر:

https://jamesclear.com/domino-effect 

*يظهر مصدر هذه المعلومات عند النقر على الرقم ² في المقال الأصلي

 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )