فنُّ الكاكيبو؛ أسلوب إعداد ميزانيات قد يغير حياتك المالية

ترجمة: سلمان محمد

تدقيق: فادية محيسن

مدة القراءة: ٨ دقائق

فلتطبِّق هذا الأسلوب الابتكاري على إنفاقك.

 

الكاكيبو وإن كان شكلًا يابانيًا قديمًا من أشكال إعداد الميزانيات فقد لاقى رواجًا كبيرًا في هذا العصر بسبب التركيز المتزايد على إدراج الوعي والإدراك في جميع جوانب حياتنا، فهو يعطي أسلوبًا بسيطًا وعقلانيًا للتحكم في الإنفاق.

 

إن الميزانيات مَثَلُها مَثل الحميات الغذائية على محفظتك، فهي ليست بالأمر الممتع بتاتًا، بل تعني الكثير من التضييق والحرمان، ولا تظهر نتائجها إلا على المدى البعيد، وقد تجعل من صاحبها سريع الغضب حادَّ الطبع. ولو سبق لك وحاولت أن تلتزم بميزانيةٍ (أو حمية غذائية) فأنت تعلم تمامًا إلى أي مدى قد تصل صعوبة ذلك.

 

وتقول جُوْي ليو المدربة في شركة ذا فاينانشال جيم (The Financial Gym) شركة الخدمات المالية التي تعمل مع أشخاص من شتى مستويات الدخل في سبيل وضع أمورهم المالية على الجادّة، تقول: "كلُّ مفيدٍ في العموم لصِحِّتنا المالية يتعارض مع ما تعلَّمناه من ثقافتنا،" وأضافت: "إن إعداد ميزانيةٍ والالتزامَ بها قد يكون بمثابة عكوفنا طوال حياتنا على الاستمرار في التحرر من السلوكيات التي تعلمناها من مجتمعنا وأصدقائنا وحتى عائلاتنا، وهو ليس بالأمر السهل."

 

ومع ذلك فهذا لا يعني أن نكُفَّ عن مواصلتنا اتباع الحميات الغذائية أو عن محاولتنا إلزام أنفسنا بميزانيةٍ معينة، فكما تقول ليو: "حتى وإن كنت تفشل في ذلك، إلا أنك تواصل المحاولة."

 

وقد حظي أسلوبٌ يابانيٌ قديمٌ باهتمام الرأي العام مرةً أخرى في الآونة الأخيرة، وقد يكون ذلك هو الحلُّ العقلاني من أجل تنظيم حياتك المالية، إليكم الكاكيبو؛ نظام إعداد ميزانياتٍ قد يغير حياتك المالية.

 

ما هو الكاكيبو؟

الكاكيبو كلمة تعني "دفتر حسابات الأسرة" على حدِّ قول سارة هارفي مؤلفة كتاب الكايزن: المنهج الياباني لتغيير العادات خطوةً خطوة (Kaizen: The Japanese Method for Transforming Habits One Step at a Time)، وعلى الرغم من تعذُّر مقابلة هارفي فقد أعطانا ناشُرها مشكورًا نسخةً من الفصل الذي يناقش الأمور المالية، حيث تناولَت فيه أساسيات الكاكيبو وتجربتها معه.

وقد أَسَس النظامَ في عام 1904 م صحفيةٌ تُدعى هاني موتوكو، وتُعدُّ موتوكو أول من عمل مراسلًا صحفيًا من النساء، كما أسسَت مجلةً للنساء في أوائل القرن العشرين تُدعى فوجين نو تومو (Fujin no tomo) أو "صديق المرأة"، وفي عام 1903 م (أو في عام 1904 م، فالأقوال تتعدد بتعدد أماكن بحثك) ابتكرَت موتوكو الكاكيبو على أنه طريقةٌ مبسطةٌ لتدير النساء بها الشؤون المالية لأسرهم المعيشية.

وقد عاودَ الكايكيبو الظهورَ من جديد نظرًا لطرح بعض الكتب الجديدة في السوق على شاكلة كتاب هارفي، كما أن ليو من شركة ذا فاينانشال جيم ترى أن الكاكيبو عاود الظهور لعدة أسباب إضافية أخرى كذلك.

فتقول: "لقد اتسع انفصالُنا عن كلِّ جوانب حياتنا، فجميعنا كثير الانشغال بل أدمَن على ذلك، ونعيش حياتنا برتابة تاركين القيادة للطيار الآلي، وقد مهَّد المسوقون والمؤسساتُ التجارية الطريق أمام أخذ أموالنا منَّا بسهولة، فجميع الناس يريدون إنفاق أموالهم على السفر في حين أن كلَّ تلك الأموال تبتلعها أمازون وأوبر وسيملس."

وتقول ليو إن هذا قد أدَّى إلى تولُّد رغبةٍ على نطاقٍ واسعٍ لمعاودة الانخراط وزيادة الوعي بمصارف أموالنا، وهو ما تسميه ليو باستعادة زمام الأمور.

 

طريقة استعمال الكاكيبو

إن الفكرة التي يقوم عليها الكاكيبو فكرةٌ رائعةٌ وواضحة، فهي تسهم في تحقيق الوعي الإدراكي في الإنفاق (وإعداد الميزانيات) بطريقة مشابهةٍ لإسهام تسجيل يوميات الغذاء في تحقيق الوعي في عادات الأكل.

وتقول ليو: "يواجه كلٌ منا مستوياتٍ مختلفةً من القلق المالي، فالأهداف الحياتية مرتبطةٌ بالأهداف المالية، وحين نبدأ في الربط بين حياتنا المالية وحياتنا عمومًا سيبدأ ظهور معنى لحياتنا."

وتسجيل يوميات الدخل والإنفاق أو توثيقهما هو من صميم عمل الكاكيبو، وبما أن هذا الأسلوب يسبق الهواتف الذكية والحواسيب تاريخًا فهو يعتمد على تقنية الورقة والقلم القديمة.

 

تتبَّع إنفاقك لمدة شهر

تشبه الخطوة الأولى في الكاكيبو بقوة أيَّ عملٍ إدراكي؛ وهي أن تكون واعيًا لما يحدث لشؤونك المالية، مما يعني أن تظل تتتبع إنفاقك بالتفصيل لمدة من الزمن، وينصح معظم الخبراء الماليين مثل ليو بمتابعة المصروفات والإيرادات لمدة شهر على الأقل قبل وضع ميزانية.

 

تتبُّع النفقات والإيرادات هي من صميم عمل الكاكيبو، وترتكز على أربعة أسئلة؛ هي:

  1. كم أكسب من المال؟
  2. كم أريد من الادخار؟
  3. كم أنفق؟
  4. أين يمكنني التحسين؟

تتوفر العديد من مذكرات الكاكيبو مثل هذه في الأسواق، يمكنك استخدامها للبدء، أو يمكنك ببساطةٍ استخدام دفتر فارغ تحمله معك، وكما هي الحال مع تدوين اليوميات فإن الفكرة هنا إدخال هذه العملية في روتين يومك العادي.

 

قَسِّم إنفاقك على فئات واكشف المستور ماليًا

بمجرد تتبعك لمصروفاتك لشهر يمكنك تقسيم إنفاقك على عدة فئات، ومفتاح الكاكيبو هو تتبع كل ذلك بالورقة والقلم العاديين بدلًا من استخدام أي نوعٍ من التطبيقات، لماذا؟ لطالما أظهرت الأبحاث أن تدوين الأمور بالكتابة الفعلية يغير في سلوكنا، كما أنها تخلق شيئًا من الصعوبة في إنفاقنا.

وتقول ليو: "إن التدوين وتتبع الميزانية يجبرك على الشعور بحدود الإنفاق." وفي حين أن شركة ذا فاينانشال جيم تستخدم العديد من الحيل والأدوات المختلفة في إعداد الميزانيات لمساعدة عملائها، فهي تشجعهم كذلك على تتبع الإنفاق بالطريقة التي تناسبهم، وهذا الجزء من إعداد الميزانيات تسميه ليو "كشف المستور ماليًا."

وعندما تُكوِّن فكرة عن إنفاقك تستطيع حينها تقسيم الكاكيبو أو الميزانية على فئات مختلفة من الإنفاق؛ أساسي وغير أساسي. وتُقسم هاتان الفئتان إلى مجموعات أصغر؛ ويشمل ذلك:

  1. عام: وهي مصروفات بيتك الثابتة مثل السكن والطعام والمواصلات والرعاية الطبية والإنترنت والاتصالات الهاتفية ورعاية الأطفال والحيوانات. هي احتياجاتك أو كما تسميها هارفي في كتابها "أساسياتك".
  2. الرفاهية: وهي الأمور التي على شاكلة نتفلكس والتسوق والتسوق عبر الإنترنت والحفلات والهدايا إلخ. انظر لهذه الأمور على أنها أمور تفعلها للمتعة ولكن ليس لزامًا أن تكون للحاجة، وهي تُعتبر غير أساسية.
  3. الثقافة: ضع هنا الأمور التي تُثري حياتك، ربما تكون اشتراكًا أو جريدةً أو مجلة، وقد تكون كذلك ذهابك الدوري لتصفيف الشعر أو العناية بالأظافر، وهي كذلك تعُد غير أساسية.
  4. التكاليف الطارئة: وهي الأمور التي تطرأ فجأةً وتتطلب إنفاقًا، وفي العموم هذه ضروريات.

وهذه الفئات فيها شيءٌ من المرونة، فقد ترى أنت على سبيل المثال أن عضوية النادي الرياضي أو دروس اليوغا "أساسيات" وعليه فتصنفها على أنها "عام"، ولا بأس في ذلك! وعلى حد تعبير ليو هي أمور بمثابة "بقرتك المقدسة" لا انتقاد لها ولا نقاش عليها، والحلُّ هنا أن تحرص على تخصيص ميزانية لها.

 

حدد أهدافك

بمجرد أن تعلم أين تُصرف أموالك على مدار شهر، تستطيع أن تحدد أهدافك، ما الذي تريد تحقيقه بنقودك؟ ما جدولك الزمني لتحقيق هذه الأهداف؟ هل تريد شراء بيت؟ أو قضاء عطلة مذهلة؟ أم أنك لا تريد سوى أن تزيد من ادخارك الشهري؟

أيًا تكن أهدافك حدد عددًا وجدولًا زمنيًا ودَوِّن ذلك كتابةً، وتستطيع حينها أن تقسمهم إلى أقسام أصغر حتى يتسنى لك معرفة كم تحتاج من الادخار شهريًا أو أسبوعيًا (على حسب مدتك الزمنية) حتى تحقق هذه الأهداف.

وطبق ذلك على كل من الفئات الأربعة، وسيكون ذلك بمثابة حدود "ميزانيتك" أو إنفاقك لكل فئة.

 

تتبع إنفاقك وتقديرك

بعد ذلك ستستمر في تتبع إنفاقك وتوزيع مصروفاتك على كل مجموعة من المجموعات التي سبق ذكرها، وفي نهاية كل أسبوع، تراجع أرصدتك مقابل أهدافك، وفي نهاية كل شهر انظر أين أنت من أهدافك في كل فئة واسأل نفسك أين يمكنك التحسين.

 

أسئلةٌ تُطرح قبل الإنفاق

يتفرد الكاكيبو بطريقة تعامله مع طبيعة الإنفاق العاطفية، فنحن في هذا الزمان لم نعتد يومًا الحرمان مما نريد، والكاكيبو يطلب منا التمهُّل والتفكير حتى لا نسرف.

فلنواجه ذلك، فإنه سيحدث، ستراجع هدفك أو ميزانيتك في فئة أو أخرى، ولكن السحر الحقيقي للكاكيبو يكمن في استخدام بعض الأسئلة والحيل البسيطة بهدف زيادة وعيك بإنفاقك وسيجعلك تفكر صدقًا فيما تريده وما تحتاجه.

وطرحت هارفي في كتابها مجموعة من الأسئلة التي قد تساعدك على استكشاف ما إذا كنت تبذر أم لا، وهي أسئلة تهدف إلى استدعاء التأمل الذاتي بُغية مساعدتك في أن تقرر ما إذا كانت نفقة بعينها "تستحق ذلك."

  1. هل أحتاج ذلك صدقًا؟ هل سيعود عليَّ بالنفع؟ وهل سيسعدني؟
  2. هل لدي المساحة لذلك؟ هل سيشغل مكانًا في حياتي أم في منزلي؟
  3. بناء على وضعي المالي الحالي، هل بإمكاني فعلًا تحمل نفقة ذلك؟
  4. ما شعوري حيال شراء ذلك؟
  5. ما هي حالتي النفسية العامة؟ ما شعوري؟

كما أشارت كذلك إلى التفكير في الطريقة التي عثرتَ فيها على هذه السلعة والنظر إلى أثرها الأخلاقي والبيئي وكذلك استدامتها.

وكذلك التمهل 24 ساعة قبل شراء شيء ما قد يساعد على توافق إنفاقك مع أهدافك، وكتبَت: "وذلك يوضح إذا ما كنت صدقًا تريد ذلك أم تحتاجه، فإذا ظللت تفكر في السلعة إلى اليوم الذي يليه وبمقدورك شراؤها، لتشتريها حينئذ، وأعدك أن شعورًا كبيرًا بالرضا سينتابك عن هذا القرار."

يشكل إعداد الميزانية تحديًا واضحًا لنا جميعًا، فهو متعِب ويجبرنا على مواجهة قناعاتنا السابقة، ويختبر سلوكياتنا المكتسبة باعتبارنا مستهلكين، تتوفر حولنا أنواعًا مختلفة من أساليب وأدوات إعداد الميزانيات، ولكن لا نحتاج إلى جديد أدواتٍ أو تطبيقات أو عضويات غالية حتى نتحكم في إنفاقنا.

باستخدام ورقة وقلم بسيطين وإدراج الوعي في إعدادك ميزانيتك، تستطيع أن تخرج من دوامة الديون وتحرر نفسك ماليًا بفضل تنفيذ الكاكيبو.

 

 

 

المصدر:

https://www.shondaland.com/live/money/a30656026/the-art-of-kakeibo-this-japanese-budgeting-system-could-change-your-financial-life/

 

 

انسخ الرابط
أضف تعليق تعليقات الزوار ( 0 )